في كتابه «القبيلة والدولة في البحرين» كتب الانثربولوجي الراحل فؤاد إسحق الخوري بحثه القيِّم بشأن تطور نظام السلطة في البحرين وممارستها، وشرح اصطدام مفهوم الدولة الحديث بمفهوم القبيلة التقليدي وأشار الخوري إلى أن هذا الأمر من المعوقات أمام التحديث، وهي نفس فحوى ما أشار إليه إميل نخلة في كتابه عن البحرين الذي صدر قبل كتاب الخوري. فنخلة كتب كتابه بُعيد تجربة المجلس التأسيسي في 1972، بينما كتب الخوري كتابه بعد حل المجلس الوطني في 1975. ولربما لو حدثت مراجعة للكتابين ومن ثم تقييم الواقع الحالي فقد نخلص الى نتيجة أن التصادم بين المفهومين قد انتهي عمليا وذلك عبر «قَبْلَنَة الدولة»، بمعنى أن القبيلة أصبحت هي الدولة، وتبعات ذلك أن الدولة ما هي سوى امتداد للقبيلة وجزء من إمكاناتها.
أما في جانب المجتمع، فإن الانتماءات انخفضت الى العصبية والترابطية على أسس تقليدية، وفي الحال البحرينية فإن الطائفية هي المحور الذي على أساسه تتشكل الجمعيات والتوجهات. والمشكلة في هذه الطأفَنَة هي أنها تتجه نحو فصل مكونات المجتمع عن بعضه البعض على أساس الماضي (وهذه هي الرجعية)، وأن هذا التقسيم الطائفي يعتمد السبل العاطفية، بل والمتهورة في بعض الأحيان، لأن العاطفة والتهور يعتمدان أساسا على الوهم لتحقيق النجاح في كسب التأييد والأنصار والمحافظة على الهوية المزعومة.
على هذا الأساس يمكننا أن نفهم لماذا تزداد شعبية بعض رجال الدين الذين يصدرون بيانات تبث الحقد ضد طائفة ما، وكيف تتدخل بعض الجهات الرسمية لمنع رجل دين آخر من الطائفة نفسها من إلقاء خطبة الجمعة؛ لأن خطابه لا يتجه نحو طأفنة المجتمع. فالطأفنة والقبلنة ينتجان بعضهما الآخر، ويحتاجان إلى بعضهما الآخر.
أولئك الذين ينغمسون في تعميق طأفنة المجتمع يتفنون في خلق الهستيريا العاطفية بين أتباعهم، وهذه الهستيريا تساعدهم على الحصول على أصوات الناخبين من الطائفة التي يدّعون الدفاع عنها، وهذا هو الأهم بالنسبة إلى دعاة الطأفنة، حتى لو كان نتيجة ذلك تمزيق الوطن.
غير ان المعروف هو أن الانتماءات العصبية والهستيرية داخل الدولة والمجتمع لا تنتج ديمقراطية، ولا تنتج مجتمعا عصريا ولا تنتج وحدة وطنية ولا تستقيم مع كل التشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان؛ لأن هذه التشريعات جميعا تتجه في الاتجاه المعاكس الذي يدعو إلى خلق دولة تنعم بتداول السلطات والثروات بين مكونات المجتمع الذي يتأسس على أساس الكفاءة والإخلاص وسيادة حكم القانون.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2206 - الجمعة 19 سبتمبر 2008م الموافق 18 رمضان 1429هـ