بالنسبة إلى جيلٍ تربّى على الانفتاح على الآراء الإسلامية المختلفة، يصعب عليه تقبّل ما انتهى إليه الشيخ يوسف القرضاوي من آراء في الأعوام الأخيرة.
الجيل الذي كان يستمع إلى أحاديثه الدينية في تلفزيون قطر منذ منتصف السبعينيات، دون أن يضع حواجز مذهبية أو طائفية، من الصعب أن يقبل دعواته الانغلاقية الأخيرة. هذا الجيل الأربعيني، كان القبول بالآخر أحد سماته الفكرية، حتى على مستوى الأسرة، التي كانت تحرص على سماع محاضرات الشيخ علي الطنطاوي في التلفزيون السعودي كل جمعة، وتتابع حلقات تفسير الشيخ متولي الشعراوي، رحمهما الله.
ربما نكون آخر جيل يعيش تجربة الانفتاح هذه، أمّا الأجيال الآتية فربّما تجد محرّما عليها الاستماع إلى المختلف عنها مذهبيا، وخصوصا عندما يُوصد بعض الدعاة الأبواب أمام أيّ تقارب، ويبدأون بإغلاق مزاليج القلوب، بتصريحاتهم المتحاملة على إخوانهم في الدين ونظرائهم في الخلق. إنها علامات ضياع الأمة وتشتتها، بعد أن سيطرت الغشاوة الطائفية على الأبصار.
لم يكن غريبا أن تصدر تصريحاتٌ متشنّجةٌ ضد الملايين من أتباع مذهب إسلامي آخر، من شخص منزوٍ يعيش في كهوف بلد آسيوي تناوب على تدميره الجهل والتعصب والاحتلال الأجنبي، ولكن أن تصدر تصريحات مماثلة من شخصية دينية، تتولى الإفتاء والإرشاد وإمامة الجمعة في دولةٍ خليجيةٍ نفطيةٍ منفتحةٍ حتى على «إسرائيل»، فهذا ما يدعو إلى الاستغراب.
الشيخ القرضاوي في تصريحاته الأخيرة، اتهم الملايين من أتباع المذهب الإسلامي الخامس، بالمبتدعين، ومع أنه «تفضّل» عليهم بأن اعتبرهم مسلمين، إلاّ أنه اعتبرهم خطرا على الأمة الإسلامية! وخطرهم كما قال: «يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم يستطيعون ذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي»!
من يقرأ التاريخ يدرك أن الأمة مكوّنةٌ من جناحين، تعايشا في أوقات وتعارضا في أوقات أخرى، ولم يفلح السيف والقتل والصلب في القضاء على أي طرف ومحوه من الوجود. وعلى الجيل الحالي المغرور بنفسه وقدراته وأمواله وفضائياته، أن يدرك أنه لابد من التعايش والتسليم بوجود الآخر، مهما كان يرى فيه من سيئات تزيد على سيئات اليهود والنصارى.
إن التهويل من خطر «الغزو الشيعي» للبلاد السنية على لسان بعض الدعاة، يأتي بعد أربع سنوات من التهويل من «الهلال الشيعي» على لسان بعض الساسة من أصدقاء الغرب. والقول إن «المجتمع السنّي ليست لديه حصانة ثقافية ضد هذا الغزو» فيه تجنٍ على بلدٍ مثل مصر، التي ظلّت تنتج الفكر الإسلامي المعتدل طوال عشرة قرون، حتى انتهى آخر دعاتها إلى إطلاق دعوات طائفية ذات نَفَسٍ عنصري.
المجتمع السنّي لا يفتقر إلى حصانةٍ ثقافيةٍ، بل الدعاة الضعاف الذين يعيبون التيار السنّي الصاعد بكون «العيب فيه هو التعصب له ضد الأفكار الأخرى»، بينما عيبهم هم أنهم يتعصّبون ضد المذاهب الإسلامية الأخرى.
قبل أشهر، أجري استطلاعٌ في الرأي عن أكثر الشخصيات شعبية في مصر، فكان على رأس القائمة السيدحسن نصرالله، وأحمدي نجاد، ليس لأنهما شيعة قطعا، ولكن لأنّ الأول أعاد للأمة كبرياءها وأسقط أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، والثاني لأنه أكثر الناس تصريحات معادية لـ «إسرائيل»، في وقتٍ لا يجرؤ حاكمٌ عربيٌ أو غربيٌ أن ينتقد حصار غزة وتجويع أطفالها. هل عرفتم السبب؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2203 - الثلثاء 16 سبتمبر 2008م الموافق 15 رمضان 1429هـ