في الأشهر الأخيرة لولاية الرئيس جورج دبليو بوش تزداد الكوارث الطبيعية والمالية غير المتوقعة. وإذا كانت كوارث الطبيعة أمرا مفروضا على الإنسان، فإن الكوارث المالية من صنع السياسة الخاطئة. موازنة الإدارة الأميركية كان لديها فائض من المال عندما تسلمها بوش قبل ثماني سنوات ولكنها أصبحت الآن في عجز متصاعد بسبب العديد من الأخطاء التي نتجت عنها أزمة الرهن العقاري ومن ثم تداعيات تلك الأزمة - بحسب ما أوردت ذلك وكالات الأنباء - على مختلف القطاعات الاقتصادية في أميركا وأوروبا وأدت إلى خسائر مالية لا يمكن حصرها وتكبدت البنوك خسائر ضخمة... حتى أن جاء إعلان إفلاس رابع أكبر مصرف استثماري أميركي «ليمان برذرز» أمس الأول، وهو الذي بدوره من المتوقع أن يتسبب في المزيد من عمليات انهيار المؤسسات المالية وشركات التأمين في أوروبا وأميركا، ولن تكون منطقتنا الخليجية بعيدة عن تداعيات هذا التدهور، وذلك لأننا أصبحنا جميعا ضمن نظام اقتصادي معولم.
وكان ثاني أغنى شخص في العالم، وورين بافيت قد حذر قبل فترة غير قصيرة من بعض ممارسات المصارف الاستثمارية الأميركية في المشتقات derivatives ووصفها بـ «أسلحة الدمار الشامل» المسلط على النظام المالي، وذلك لأن هذه المشتقات المالية تتعامل مع «إيرادات مالية مستقبلية»، وهي غالبا ما تكون مبالغا فيها وتعتمد على تقديرات المضاربين غير الدقيقة والتي لا يمكن معرفة صحتها من عدمها إلا بعد سنوات عديدة.
هذه الهزات ربما تعطي إنذارا للإدارة الأميركية لكي تحاسب بشأن سياساتها التي اعتمدت على الأحادية منذ تولي بوش الرئاسة، وذلك لأن ما يحدث من هزات مالية في أميركا يصيب مختلف البلدان في العالم، مما يعني أن الأحادية قد تكون في بداية المشوار ولكن نتائج ذلك النهج ليست أحادية ولا تختص بأميركا لوحدها.
وفي محاضرة الشهر الجاري في أبوظبي لأحد مفكري حزب المحافظين البريطاني، حاكم هونغ كونغ سابقا والذي يشغل حاليا رئاسة جامعة أوكسفورد، اللورد كريس باتن حول «التحولات العالمية في القوى» قال إن المتغيرات العالمية تجعل التنبؤ بالمستقبل صعبا، وتوقع أن تظل أميركا القوة العظمى الوحيدة في العالم، لأنها «تسيطر على الأرض والبحر والجو والفضاء ولديها قوة عسكرية لا تقهر بالذات بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول... وخلال نصف القرن الأخير حققت أميركا نصرا للدبلوماسية بعد الحرب، كما أنها لعبت دورا أساسيا في تأسيس البنك الدولي وغالبية المؤسسات العالمية».
غير أن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق (في عهد جيمي كارتر) زبغنيو برجينسكي قال في كتاب له صدر العام الماضي إن السياسة الخارجية الأمريكية «قد فرطت وأهدرت فرصتها الأولى لقيادة العالم عندما سنحت هذه الفرصة مع انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي». وقال إنه ورغم ضياع الفرصة الأولى لقيادة العالم فإن الولايات المتحدة لاتزال لديها «فرصة ثانية» شريطة ألا تكرر الإدارة الأميركية أخطاءها ولا توسع دائرة الحرب في الشرق الأوسط عبر مهاجمة إيران أو غيرها، لأن ذلك قد يتسبب في أن تذكر كتب التاريخ لاحقا «أن عمر الولايات المتحدة كقائدة للعالم كان قصيرا جدا»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2203 - الثلثاء 16 سبتمبر 2008م الموافق 15 رمضان 1429هـ