تسعى الأمم والشعوب في مختلف أنحاء الكرة الأرضية إلى الكمال في مختلف المجالات من خلال النهضة العلمية والاقتصادية والتقنية بما يوفر الرخاء للإنسان الذي يعيش على هذه الأرض.
وهي لأجل ذلك تطلق المشاريع والمصانع والعمارات، غير أنها في طريقها لذلك تستهدف بناء الإنسان القادر على العطاء والعمل وهو أصعب ما قد يواجهه أي شعب.
فمن السهل بمكان أن تبني عمارة أو مصنعا ولكن من الصعب أن تبني الإنسان القادر على تحقيق الإنجازات المختلفة العلمية والرياضية.
وهذا ما عملت عليه الدول المتقدمة التي تسعى إلى ترجمة تقدمها العلمي والاقتصادي والسياسي وغيره من خلال إنسانها القوي والمتكامل الذي يهزم منافسيه في شتى المجالات.
وجاءت الألعاب الأولمبية الأخيرة في بكين لتترجم هذا التوجه ولتعكس التطور والتقدم الصيني من خلال إنسان هذا البلد الذي سيطر على مختلف الرياضات في الألعاب الأولمبية كما أبهر العالم بحفلي الافتتاح والختام.
الصينيون انتهجوا منهجا متكاملا لبناء الإنسان المتفوق، وهو ما سعت إليه جميع الدول على مر إقامة الألعاب الأولمبية والتي كانت في كثير من الأحيان ساحة للتنافس السياسي أكثر منه الرياضي، من خلال الصراع الطويل بين النظريتين الشرقية والغربية والذي ترجم من خلال الألعاب الأولمبية.
فصناعة الإنسان البطل القادر على الفوز بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية ليس أمرا سهلا بل قد يفوق في صعوبته بناء العمارات والمصانع والجسور كونه يتعامل مع إنسان تمتزج فيه القوة بالعقل والمشاعر بالإصرار والعزيمة وتوافر الظروف الملائمة لتنتج في النهاية بطلا أولمبيا.
ما فعله الصينيون في بكين ليس وليد المصادفة وإنما هو جهد مخطط لإظهار ما وصل إليه إنسان هذا البلد من تقدم وعكسه في تفوقه الرياضي، ومن هنا تبرز فلسفة الألعاب الأولمبية المرتكزة في منافساتها على الأقوى والأعلى والأسرع، وهو شعار المنافسات الرياضية الأولمبية.
وفلسفة بناء الإنسان لا تتعلق فقط بالإنسان السليم وإنما تلحقها أيضا بناء الإنسان المعوق والذي يوضع في آخر سلم الاهتمامات في وطننا العربي، لأن الإنسان السليم مهمش فكيف بالمعوق!
بعد ختام اولمبياد بكين، انطلقت خلال الشهر الجاري أولمبياد بكين للمعوقين والتي قد لا يعرف عنها الكثيرون لغياب التسليط الإعلامي عليها وهي مازالت مستمرة حتى اليوم، غير أنها لا تقل أهمية عن أولمبياد الأصحاء بالنسبة الى الدول التي تحترم نفسها وتحترم إنسانها وهو ما دفع الكثير من زعماء العالم إلى حضور حفل الافتتاح الكبير الذي أقيم في استاد عش الطائر في الصين بحضور أكثر من 90 ألف متفرج.
المنافسة في الألعاب الأولمبية للمعوقين لا تقل أهمية وقوة عن غيرها، وتتبارى الدول فيما بينها لتؤكد أمام العالم اهتمامها بإنسانها وسعيها للارتقاء به من مختلف النواحي وإن كان معوقا.
أما نحن في البحرين فقد كانت مشاركتنا في الألعاب الاولمبية للمعوقين خجولة جدا واقتصرت على رياضيين اثنين من أجل المشاركة فقط وليس المنافسة على رغم امتلاكنا لرياضيين معوقين أبطال على المستوى العربي والآسيوي غير أنهم مهمشين تماما. في الوقت الذي تسعى الدول لإظهار تحضرها ورعايتها لإنسانها نعمل نحن على تهميش رياضيينا الأصحاء فكيف بالمعوقين الذي يعانون الكثير من دون أن يعرف عنهم أحد.
الرياضي المعوق البحريني بنى نفسه بنفسه وهو قادر على منافسة الرياضيين المعوقين في مختلف أنحاء العالم وإحراز الميداليات وتشريف المملكة أكثر مما يفعل الأصحاء بكثير، وقد ثبت ذلك سابقا، غير أن هؤلاء المعوقين يحاربون ويمنعون من المشاركة فكيف بتقديم الدعم لهم والذي هو آخر ما قد يفكر فيه المسئولون الرياضيون.
على المسئولين عن رياضة المعوقين في بلدنا أن يشاهدوا ولو قليلا منافسات أولمبياد بكين للمعوقين ليدركوا مقدار اهتمام الدول بأبنائها وسعيها لدعمهم وتوفير كل أسباب النجاح إليهم لأنهم يستحقون ذلك ولهم من الحقوق أكثر مما للأصحاء.
الإنسان السليم أو المعوق هو ثروة هذا البلد الحقيقية والاهتمام به ورعايته واجب على الدولة ومؤسساتها وعلى مؤسسات المجتمع المدني، غير أن عزاءنا للرياضيين المعوقين أن أشقاءهم الأصحاء ليسوا أحسن حظا
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس"العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ