عندما كنا نسافر إلى بعض الدول العربية في الثمانينيات والتسعينيات نشفق على شعوب تلك الدول من وضع الكهرباء، على رغم اعتدال الطقس فيها، وكنا نقول كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يعيشوا في هذا الوضع الذي لا يطاق، فبين الحين والآخر يجدون أنفسهم بلا كهرباء لساعات!
دارت الأيام واستقرت كهرباء تلك الدول، أبحرنا نحن في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في بحر عميق من الانقطاعات لا تقبل به الدول التي تحترم شعوبها حتى في السنين الأولى من اكتشاف الكهرباء! كل ذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.
«الوسط» تحولت إلى بدالة كهرباء في العشر الأوائل من شهر رمضان، لضيق صدر هيئة الكهرباء الجديدة من الاستماع إلى معاناة الناس، التي بلغت في تلك الفترة أكثر من 12 ألف مكالمة، وصار المواطن ليس من دون كهرباء فحسب بل حتى من دون أذن رسمية تستمع إلى معاناته.
بلد مثل البحرين تنفذ فيه كل مواد البناء بسبب ما يشهده من عمران شاهق باسق يناطح الشهب والسحب، لا يليق به أن يبات ليلة واحدة بلا كهرباء، وهو بلد من أصغر بلدان العالم مساحة وسكانا.
كان الاعتقاد أن درس يوم الاثنين الأسود الذي عاشته البحرين في 23 أغسطس/ آب 2004 على رغم صعوبته وتعقيده سيكون مفهوما ومستوعبا في ذهن الحكومة التي وعدت بإصلاح الأمر وتغيير وضع الكهرباء تغييرا جذريا، إلا أن الوضع ازداد سوءا وكل الوعود تبخرت، وكأن الوعود كانت للاستهلاك.
أزمة الكهرباء التي رافقت شهر رمضان، والتي هي ضمن سلسلة أزمات سابقة، يجب أن لا تمر هذه المرة مرور الكرام كما جرت العادة، والناس في انتظار خطة شاملة واضحة المعالم، لتعديل هذا الوضع، ولكن للأسف الشديد على رغم بلوغ الأزمة ذروتها لم يظهر للناس مسئول واحد من هيئة الكهرباء في مؤتمر صحافي ليشرح لهم وضع الكهرباء، ويعتذر للناس عن هذا الإزعاج التي تسببته لهم الهيئة في شهر هم أحوج فيه إلى الكهرباء.
لا يجوز «تطنيش» الناس، وإدارة الظهر لهم بهذه الصورة، قد نتفهم الضغط الكبير على «بدالة» الهيئة، واستحالة الرد على كل المكالمات لأن المتضررين بالآلاف، ولكن كيف يمكن لنا أن نتفهم تجاهل المسئولين؟ وكلما ازدادت الكهرباء سوءا ازدادوا هم صمتا؟
كل هذا السوء والمضحك المبكي أن بعض المسئولين ما زالوا يغوصون في ترف التصريحات الفارهة، ويعدون الناس بـ «كمبيوتر لكل مواطن» وليت هذه الدعوة تستبدل إلى «جنريتر لكل مواطن» فتكرار انقطاعات رمضان، سيحدو بالناس إلى اقتناء مولدات الكهرباء شأنهم شأن الدول التي لا تعرف رائحة النفط؟
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ