كانت الساعة تشير إلى الواحدة و20 دقيقة من بعد ظهر يوم أمس (الاثنين) أمام إحدى المدارس الابتدائية في المحافظة الشمالية حينما شاهد الناس إحدى الحافلات الصغيرة لنقل الطلبة وهي تسير ببطء مفتوحة الباب وبعض الأطفال يحاولون القفز داخلها وهي تسير بأجسامهم الخفيفة الوزن وحقائبهم الثقيلة!
لم يكن المشهد فكاهيا حتى لو كان الأطفال يطلقون الضحكات العالية ببراءتهم، لكن ما الذي دفع السائق لأن يتحرك والباب مفتوح؟
مازلنا في ظهيرة يوم أمس، عندما أوقف أحد سواق الحافلات الكبيرة حافلته في ساحة قريبة من مسجد الشيخ عزيز في منطقة السهلة وخرج منه عشرات الطلاب من المرحلة الثانوية لينطلقوا لأداء الصلاة في المسجد قاطعين الشارع الرئيسي في وقت ذروة. هل يجهل أحد، مهما كانت درجة فطنته خطورة هذا الأمر؟ لكن يبقى السؤال الأهم: «هل يجوز لسائق حافلة أن يتوقف تحت إلحاح الطلبة ليسمح لهم بأداء الصلاة في المسجد الذي عمته الفوضى بهذا العدد الكبير من الطلاب؟».
وبعد، هل يمكننا أن نتصور كيف سيكون حال أطفال الروضة حينما يغفل سائق الحافلة عن مرتفع قريب لتخفيض السرعة؟ هكذا كانت الصورة على أحد الطرقات الفرعية حينما نسي السائق على ما يبدو ذلك المرتفع ولم يخفض السرعة لترتطم الحافلة بالمرتفع ويتكدس الأطفال على بعضهم بعضا.
أولياء الأمور يتفاعلون
بالأمس، بدأت «الوسط» الحلقة الأولى من ملف «عشوائية المواصلات المدرسية» لكن أول ردود الفعل لم تأتِ فقط من أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية، بل كان المواطن محمد حسن العصفور أول المتصلين بالصحيفة ليدون ملاحظة بخصوص تأخر الحافلة التي تنقل طلبة جامعة البحرين من سكنة منطقة سار ليومين على التوالي، أمس وأمس الأول، حيث انتظر الطلبة الحافلة حتى الساعة الثامنة ولم تأتِ ليعودوا مرة أخرى إلى منازلهم.
بعد ذلك، وردت رسالة إلكترونية تعقيبا على الموضوع من أولياء أمور تلميذات مدرسة توبلي الابتدائية للبنات التي جاء نصها كالآتي: «نحن أولياء أمور تلميذات مدرسة توبلي الابتدائية نناشد وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية لتوفير أفراد شرطة المجتمع أمام المدرسة، فهذه المدرسة تقع في حي ضيق وتتزاحم السيارات عند الحضور الصباحي أو الانصراف لدرجة عدم رؤية التلميذات الصغيرات عند عبورهم الشارع، وقد وقعت في العام الماضي حوادث لبعض التلميذات بسبب ذلك».
حراس المدارس منزعجون!
وماذا عن حراس المدارس؟ في العام 2006، نفذت وزارة التربية والتعليم ممثلة في قسم الحراسات بالتعاون مع وزارة الداخلية برنامجا لتدريب حراس المدارس، بمشاركة أفراد من شرطة المجتمع، للقيام بمهام المراقبة المرورية في فترة الحضور والانصراف، وخصوصا في المدارس الابتدائية، وقد تولى بعدها حراس المدارس مسئولية تنظيم حركة السير بفعالية، لكن الملاحظة التي أوردها عدد من حراس وزارة التربية والتعليم تعليقا على حلقة الأمس هي أنه، ومع شديد أسفهم، يوجد عدد كبير من أولياء الأمور لا يتعاونون مع الحراس، بل كانوا في الأساس لا يتعاونون مع رجال شرطة المرور ولا شرطة المجتمع معتبرين أن ذلك يعكس انعدام الإحساس بالمسئولية حيث لا يلتزم بعض أولياء الأمور وكذلك بعض سواق الحافلات بالتعليمات التي يرشدهم إليها حراس الأمن مما ينتج عنه فوضى عارمة أمام المدارس، وهذه الفوضى تربك الوضع وتهدد سلامة الأطفال، مطالبين أولياء الأمور جميعهم بالتعاون لأن حراس الأمن، حالهم حال شرطة المرور وشرطة المجتمع، لا يعملون إلا من أجل سلامة الأطفال جميعا.
ويؤكد أحد حراس الأمن أنه علاوة على صعوبة الوضع في فترتي الحضور صباحا والانصراف ظهرا، لكن الأمور يمكن أن تسير بشكل جيد جدا لو تعاون جميع أولياء الأمور، وأبدى سواق الحافلات تعاونا معنا لتنظيم حركة السير، لكن للأسف الشديد، يتعمد البعض المخالفة بل والشجار غير مكترث بالهدف من هذا التنظيم.
وعلى أن حلقة اليوم ستخصص لأهم مرحلة وهي مرحلة أطفال الروضة الذين يحتاجون لمراقبة مرورية أكثر من غيرها من المراحل، وإن كانت مرحلة الابتدائية لا تقل عنها أهمية، لكن سيتم تخصيص حلقة خاصة للوضع المروري أمام المدارس الابتدائية، والغرض من ذلك كله كما أسلفنا في حلقة الأمس هو المساهمة في نشر الوعي المروري بدرجة خاصة حتى لا تتكرر الحوادث المؤسفة وآخرها حادثة وفاة طفل الروضة سيدجعفر عيسى العبار، وهي الحادثة التي لا يجب أن تمر سريعا أو تخضع للنظرة الانفعالية دونما اهتمام بمحاور توعية أعمق يمكن أن تسهم في التحذير من الممارسات الخطيرة التي قد تلحق الأذى بالأطفال.
ماذا عن رياض الأطفال؟
يجري العمل في رياض الأطفال على نظامين، النظام الأول هو امتلاك الروضة لعدد من الحافلات التي يعمل فيها مشرفات وسواق موظفون في الروضة ذاتها، وفي هذا النظام، يبدو الالتزام واضحا ودقيقا في أغلب الحالات حيث يعمل السائق ومشرفة الحافلة وفقا للنظام الذي أقرته الروضة ووفقا للتعليمات التي حصلوا عليها من دورات التدريب والمحاضرات التي تنظمها الإدارة العامة للمرور.
أما النظام الثاني، فهو نظام التعاقد مع عدد من السواق الذين يمتلكون حافلات خاصة، أو مؤسسات صغيرة تملك عددا من الحافلات تتولى خدمة نقل الأطفال من منازلهم إلى الروضة والعكس، لكن تحوم حول هذا النظام العديد من الملاحظات، وإن كان هذا لا يعني أن كل رياض الأطفال التي تتعامل بهذا النظام تعاني من «مشكلة». فأول تلك المشاكل، أن بعض السواق لا يلتزمون باشتراطات السلامة المرورية بل ولا يكترثون في بعض الأحيان لملاحظات مشرفة الحافلة، وإذا كانت المشاكل المترتبة عن غياب السائق في بعض الأيام دون اعتذار لإيجاد بديل، أو استخدام بعض الحافلات غير المكيفة والتي تحتاج إلى صيانة من المشاكل التي يمكن التعامل معها، إلا أن تهور بعض السواق الشباب وقضاء خط الرحلة في التحدث عبر الهاتف النقال بضعف تركيز، ينذر بأن مشاكل أكبر قد تحدث.
ومن خلال أحاديثنا مع عدد من مديرات رياض الأطفال، فإنهن لا ينكرن وجود تلك المشاكل السالفة الذكر، لكن هذا لا يعني بالنسبة لهم أن يترك الحبل على الغارب دون اكتراث بسلامة الأطفال، فجميع الروضات تعمل وفقا للتعليمات الصادرة عن الإدارة العامة للمرور ولا تتم الاستعانة بسائق حافلة لا يحمل ترخيصا صادرا من الإدارة بنقل الطلبة، ومع هذا، يعترف العاملون في رياض الأطفال بأن هناك مشاكل تحدث بسبب تصرفات السواق المتهورين ويتم التعامل معها بحزم، كما أن مشرفات الحافلة، ينقلن للإدارة مدى التزام السائق بالتعليمات أو خرقه لها.
لكن، ماذا يقول سواق حافلات رياض الأطفال عن هذه النقاط؟ هنا، لابد من التنويه إلى أننا سنخصص حلقة خاصة للاستماع إلى وجهات نظر بعض السواق، لكن على العموم، لا يوجد سائق حافلة، حتى وإن كان متهورا، يعترف بأنه يتجاوز التعليمات! وهذا أيضا، لا يعني أن كل سواق الحافلات الخاصة هم من السواق المتهورين غير المحترفين وخصوصا أن الإدارة العامة للمرور لا تصدر رخصة نقل الطلبة إلا طبقا لاشتراطات منها ألا يقل عمر السائق عن 25 عاما وأن يكون ملفه المروري خاليا من المخالفات.
«الداخلية» تستهدف
رياض الأطفال
سيكون أمام وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للمرور وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم عملا طويلا لتنفيذ برنامج تدريب وتأهيل مشرفات وسواق حافلات رياض الأطفال، وهو يدخل ضمن «المنهج المروري لرياض الأطفال» الذي أقره وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في شهر مارس/ آذار من العام الجاري 2008، والذي وفقا له سيتم تنفيذ برنامج كبير لتوعية العاملين في رياض الأطفال من إدارات ومعلمات ومشرفات وسواق وكذلك الطلبة وأولياء الأمور.
وفي هذا الصدد، يصرح مدير إدارة التوعية المرورية بالإدارة العامة للمرور الرائد موسى عيسى الدوسري لـ «الوسط» بأنه بعد اعتماد البرنامج من قبل الوزير، تم تشكيل لجنة مختصة بين الإدارة ووزارة التربية والتعليم، وبالفعل، تم قبل مطلع العام الدراسي الجاري تأهيل عدد من معلمات رياض الأطفال وخصوصا أن المنهج المروري أعدته متخصصات في هذا المجال على ثلاثة مستويات، يشمل المستوى الأول الأطفال من سن 3 إلى 4 سنوات، والمستوى الثاني يشمل الأطفال من سن 4 إلى 5 سنوات، فيما يخصص المستوى الثالث للأطفال من سن 5 إلى 6 سنوات، وسيتم تغطية جميع رياض الأطفال في البلاد بهذا البرنامج.
ويضيف الدوسري أنه سيتم إخضاع جميع السواق ومشرفات حافلات رياض الأطفال للتدريب على المنهج المروري لرياض الأطفال، واستحداث نظام الاستمارة الإلزامية لمشرفات الحافلات والسواق التي تشمل أسماء جميع الأطفال للتأكد من حضورهم وانصرافهم بأمان.
ويختم الدوسري حديثه بالقول إن هناك برنامج محاضرات موجه إلى جميع السواق البحرينيين وغير البحرينيين القصد منها زيادة التأكيد على الاهتمام بسلامة الركاب والالتزام بالأنظمة، وخصوصا بالنسبة للأطفال باعتبارهم الهدف الأساسي لحملات التوعية.
ومع شديد الأسف، يستدرك الدوسري: «تركت حادثة وفاة الطفل العزيز جعفر العبار في نفوسنا ألما كبيرا، لذلك، نحن سنعمل على تأكيد دور مشرفات الحافلات والسواق من خلال رفع وتيرة الحيطة والحذر والتأكد من جلوس ونزول الطفل بسلامة وأمان»
العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ