العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ

تفكيك التحالف السوري الإيراني... ضرورة غربية تحتاج إلى ثمن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل ينجح الغرب في فصل سورية عن إيران من خلال معادلة «حاجة سورية لديناميكية اقتصادية وشرعية سياسية، وحاجة أميركية لمواجهة إيران والتطرف الإسلامي» بحسب تعبير معهد السلام الأميركي وبالتالي التفرّغ لمهاجمة الأراضي الإيرانية؟

بالتأكيد هذا هو السؤال المفتوح والمطروح هذه الأيام. لكن الأكيد أيضا أن مُجمل الموضوع ليس كتفصيله، وبدايته ليس كمآله. حتى وإن تمثّلت الأمور بهيئةٍ من العلاقات الثنائية القائمة بين دولتين، إلاّ أن إرهاصات تلك العلاقة ومُفضياتها أكبر من نصّها. فهي مرتبطة بتاريخ وفعل يُشكّل الصورة الأشد لإشكالات المنطقة.

من خلال الرصد والتقييم والتقويم يظهر أنّ السعي الغربي غير ناجز في ذلك الموضوع ما لم يُنظر إلى متغيرين أساسيين يُشكّلان المرتكز في فكّ ذلك التحالف السوري الإيراني المتماسك.

وبدونهما قد لا يجد الغرب سوى أحد أمرين، إما تحرّكا استباقيا على غرار هوى اليمين المسيحي في الإدارة الأميركية الحالية (المنقضية ولايتها) كما عملت في الكثير من الملفات وخصوصا أفغانستان والعراق، أو القبول بظروف الواقع والسير معها عن طريق التعايش الحذر ومع باقي الأنظمة المارقة والمتمردة على السياسة الأميركية في المنطقة. ولكلا الخيارين استحقاقاتهما وأكلافهما التي قد تتساوى، وقد تتباين.

المتغيّر الأوّل: وهو المتعلّق بملف التفاوض بين سورية والكيان الصهيوني. فسكّة السلام بين دمشق وتل أبيب قد أُصلِحَ جانب من عطبها، وبدأ السوريون يتحدّثون عن أرضهم بتفصيل التفاصيل الجيوبوليتيكية.

فمرتفعات الجولان الواقعة بين جنوب نهر اليرموك وشمال جبل الشيخ وبانحناءة إستراتيجية صوب بحيرة طبريا ومرج الحولة في الجليل من جهة الغرب، وسهول حوران من الشرق، أي الحديث عن 1860 كم، باتت ورقة التفاوض الأساسية وليس شيئا آخر.

وإذا ما تمّ الحديث عن هكذا «صيغة جغرافية» فإنه يُمكن الحديث لاحقا عن بقية الملاحق والتفسيرات المصاحبة. فالصهاينة يُهمّهم في مسيرة التفاوض مع سورية أربعة أمور:

الأول هو عُمق الانسحاب من الجولان، والثاني الجدول الزمني لعملية الانسحاب ومدتها، والثالث حول مراحل الانسحاب والصلة بينها وبين تطبيع العلاقات، مع الإصرارعلى وجود فترة وصاية للتطبيع كالحدود المفتوحة وفتح السفارات قبل استكمال الانسحاب، والرابع بشأن الاتفاق على الترتيبات الأمنية (راجع ديباجة وزارة الخارجية الصهيونية عن عملية السلام) .

لكن السوريين أيضا لا يُريدونها كمفاوضات العام 1994 على مستوى السفراء في واشنطن، واجتماعات رئيسي هيئتي الأركان، أو مفاوضات ديسمبر/ كانون الأوّل 1995 ويناير/ كانون الثاني 1996 في واي ريفر بمعهد أسبن أو حتى مفاوضات ديسمبر 1999 ومحادثات شيبردستاون بولاية فيرجينيا في يناير 2000 التي كادت تُنهي حالة العداء السوري الصهيوني.

لأنهم يُدركون بأن ذلك التمييع في المفاوضات ليس في صالحهم؛ لأنّ الأوراق التي بحوزتهم ستكون مُحيّدة خلال مرحلة التفاوض كقيمة إضافية لبناء الثقة بين الطرفين، وهو ما تريده تل أبيب لتخفيف الضغوط الأمنية على حدودها الشمالية وداخل قطاع غزة.

وأيضا فإن السوريين يعلمون أن الصهاينة قد يهدفون من إطلاق تفاوض هلامي وبلا ملامح إلى إحراج السوريين في حال وقرّرت واشنطن وتل أبيب توجيه ضربة عسكرية لإيران بعد نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بحسب تخمينات جون بولتون. لذا فهم يُصرّون على عملية سلام مُحددة ومُمرحلة وتحت إشراف دولي.

أضف إلى ذلك فإن السوريين غير وارد لديهم تحويل مرتفعات الجولان إلى صيغة مماثلة لما تمّ في شبه جزيرة سيناء. فالبند الأول من المادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد تقول «بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية» وبالتالي فهم يريدون مجالا أوسع من هذه الالتزامات التي قد تُبقي الجولان خارج الصيغة القومية للدولة السورية.

المتغيّر الثاني: والذي يلعب أحد الأدوار الرئيسية في عملية فك الحلف السوري الإيراني القائم هو «المفاضلة الراجحة» التي يُقيمها السوريون. وهم في ذلك يتساءلون بشكل مشروع عن الامتيازات التي سيحصلون عليها من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي مقابل تخلّيهم عن طهران.

فسورية وضمن فضائها الاقتصادي قد انتفعت من علاقاتها بإيران إلى الحدّ الذي أضحى ذلك المُتغيّر يلعب دورا مهما في تصلبها أمام الأزمات؛ حيث مكّن دمشق من تجاوز الكثير من العقبات التي كانت تزيد من تعثّر الاقتصاد السوري .

فإيران بالنسبة إلى السوريين متنفّس اقتصادي استراتيجي منذ العام 1982 عندما وقع نائب الرئيس السوري (السابق) عبد الحليم خدام في طهران اتفاقا شاملا مع حكومة مير حسين موسوي الأولي بعد انتخاب آية الله علي خامنئي (المرشد الحالي للثورة) رئيسا للجمهورية. ومنذ ذلك التاريخ ودمشق تتنفّس في مجالات اقتصادية عدّة عبر الرئة الإيرانية.

وفي تاريخ غير بعيد وبالتحديد في سبتمبر/ أيلول من العام 2006 قامت الجمهورية الإسلامية ببناء مدينة صناعية في مدينة حسياء بحمص على مساحة ثمانين ألف متر مربع، تضم صناعات الحديد والصلب بطاقة 800 ألف طن سنويا ومحطة لتوليد الكهرباء بطاقة 800 ميغاواط ومعمل زجاج وتصنيع الآلات، ومعملا آخر لمحوّلات الكهرباء وأبراج نقل التوتر العالي.

وبعدها بأشهر افتتح الرئيس السوري بشّار الأسد مصنع الشركة السورية - الإيرانية الدولية للسيارات (سابا) الذي تبلغ طاقته الإنتاجية القصوى خمسة عشر ألف سيّارة سنويا في مرحلته الأولى.

وفي مرحلته الأخيرة خمسة وثلاثين ألف سيارة سنويا، برأس مال مال يبلغ خمسين مليون دولار. وهو المصنع الثاني بعد مصنع (شام) الإيراني القادر على إنتاج عشرة آلاف سيّارة سنويا وذلك في السنة الأولى من بدء تشغيله وبرأس مال يبلغ ستين مليون دولار.

وفي مرحلة قريبة أقام الإيرانيون معملا للإسمنت عبر شركة «إحداث صنعت» في منطقة حماة بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ مليون ومئة ألف طن وبكلفة إجمالية تصل إلى 250 مليون دولار، مع محطة لمعالجة المياه الصناعية وإعادة استخدامها في العملية الإنتاجية التي تستوعب كامل المياه الناتجة عن المعمل بهدف معالجة أي تلوث ناتج عن تصريف المياه الصناعية ومراحل إنتاج الاسمنت. حيث عمل على تجهيز هذا المصنع 300 مهندس إيراني و200 آخرين من سورية.

كما أنّ طهران قامت بالتوقيع مع دمشق على اتفاق يقضي بتنفيذ مشروع حيوي؛ لنقل المياه من نهر دجلة باتجاه ‏منطقة الحسكة لري 150 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، بالإضافة لصناعات الكهرباء والسكك وربط الطرق.

وفي ختام الدورة العاشرة لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة السورية الإيرانية وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مليار دولار دون المشاغل النفطية.‏ فطهران تزوّد دمشق بكميات هائلة من النفط عبر أسعار تفضيلية وصلت منذ مراحل سابقة إلى سعر دولارين للبرميل الواحد!.

وقد وقّع البلدان مؤخرا على اتفاقية تقضي بأنْ تقوم إيران بموجبها بتصدير ما بين 2 - 3 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى سورية عن طريق أنبوب يعبر الأراضي التركية، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع مشترك بين كل من إيران وسوريا وفنزويلا لإقامة مصفاة نفطية على الأراضي السورية بطاقة إنتاجية تبلغ مئة وثلاثين ألف برميل يوميا.

إنّ هذا المتغيّر المهم في العلاقات السورية الإيرانية يبقى نقطة ارتكاز محورية تتطلب إدراك أميركي وأوروبي بأنّ أيّ ضغط على دمشق لفكّ تحالفها مع طهران يقضي بتوفيرهم فرصا اقتصادية بديلة أو متوازية تُقنعها بجدوائية هذه الحوافز.

لكن السوريين يُدركون أن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وفي أحسن عروضهما لن تزيد على تشجيع انضمام سوريا إلى منظمة التجارة العالمية، وإعادة المناشط الاقتصادية الأوروبية إلى ما قبل العام 2005.

ودمشق تفهم بأن هذه المنظمة لا زالت تُعطّل دخول 32 دولة تقدمت بطلب الانضمام بعضها لأسباب سياسة. بل إن إيران التي تقدمت بطلب الانضمام لهذه المنظمة منذ العام 1996 لم يُنظر في طلبها إلاّ في العام 2001 نظرا لقيام واشنطن بتعطيل ذلك الطلب في 22 اجتماعا عاما للمنظمة، وبالتالي فإن دمشق تخشى بأن يتم تقديم هذا العرض لها ضمن الوعود المأمولة دون تحقيقه، أو وضعه في سياق سياسي غير متجانس، يفرض عليها خيارات خارج المصلحة الوطنية.

كما أن أي مُراقب للسلوك الأميركي تجاه حلفائه في المنطقة سيلحظ ومن دون أي جهد مدى البراغماتية المتوحّشة لدى واشنطن في التعامل معهم، حتى في أوقات الأزمات. فهي تخلّت عن حلفائها داخل قوى الرابع عشر من آذار في لبنان أثناء مواجهتهم مع المعارضة مطلع مايو/أيار الماضي.

وتخلّت عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) بعد أحداث يونيو/حزيران 2007 في قطاع غزّة، والذي تمخّض عنها انهيار مشروع دايتون وسقوط الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة، ومن ثمّ سيطرة حركة حماس على القطاع بشكل كامل .

وتخلّت عن جمهورية جورجيا في المواجهات الأخيرة مع الروس بشأن أوسيتيا الجنوبية. بل إنها لم تستطع إقناع باريس وبرلين على انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في قمة بوخارست الأخيرة.

وباتت تبتز مصر بين الفينة والأخرى في موضوع المساعدات التي تقدمها للقاهرة، ليس آخرها تجميد مبلغ 200 مليون دولار من اعتمادات المساعدات العسكرية كنوع من أنواع من العقاب والضغط على الحكومة المصرية للتصدي لعمليات تهريب الأسلحة لقطاع غزّة، ومسائل حقوق الإنسان.

هذان المتغيران هما الحاكمان في أيّ تحّرك غربي في سبيل فك التحالف السوري الإيراني. وإذا ما أراد الغرب أن يُخل بهذا التوازن فعليه أن يقيم معادلة وازنة في ذلك، وعليه تقديم ما يوازي النتيجة التي من المُفترض أنه سيجنيها، والتي بالتأكيد ستُغيّر الكثير من وجه المنطقة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً