«ناصفة حلاوة على النبي صلاوة... قرقيعان حلاوة على النبي صلاوة... قرينشون حلاوة على النبي صلاوة»... متباركين جميعا بهذه الليلة والله يعودنا وياكم السنة وكل سنة بخير وصحة وعافية.
«القرقيعان» أو «القرقاعون» أو «الناصفة» أو «القرينشون»... تسميات مختلفة لعادة جميلة تحييها كثير من دول الخليج، كل بحسب طبيعته وتراثه في ليلة النصف من رمضان من كل عام... هي ليلة الأطفال بامتياز، لذلك فإن غالبيتنا (نحن الكبار من الرجال والنساء) نتمنى لو نعود أطفالا صغارا ليوم واحد فقط، لنشعر بحلاوة هذه الليلة، لأن طعمها «غير» إذا كنت صغيراَ.
شخصيا لي ذكريات خاصة أحبها كثيرا (طبعا لأني لم أنقطع عن القرقيعان إلا عندما بلغت سن الثانية عشرة)، مازلت أتذكر تلك الأيام وكأنها اليوم، إذ يبدأ يومي في المدرسة فنتفق أنا وصديقاتي على من ستمر أولا على الثانية حتى «نناصف» جميعا (نلف على البيوت مع بعضنا بعضا)، وفي المساء وبعد الفطور مباشرة، نتجمع في بيت إحدانا بعد أن نلبس من الثياب أجددها وأحلاها ونحمل في أيدينا «كيس الناصفة» أو «الخريطة» كما يطلق عليه في بعض المناطق في البحرين، وهذا الكيس كانت أمهاتنا أو أخواتنا تتفنن في صنعه لنا.
ننطلق في صورة مجموعة مرددات أجمل الكلمات «ناصفة حلاوة على النبي صلاوة، أعطونا من مالكم الله يخلي عيالكم»... نتهافت على غالبية بيوت «الفريج» للحصول على الحلويات و «الدكسبال» («السبال»، «الكسكبال»، الفول السوداني) المخلوط بالحلويات مثل: بيض الحمام (الملبس)، الحبو (النخي)، والنكلة (النقل)... وغيرها، كل بحسب ما يقدمه لنا، ولكن أحلى شيء طبعا البيت الذي يوزع «بيزات» (فلوس)، إذ تجد الأطفال يتسابقون على ذلك البيت ليأخذوا منه تلك الـ 25 فلسا أو الـ 50 فلسا (هذا أكبر مبلغ نحصل عليه عندما كنا صغارا)، أما الآن فالأطفال يحصلون على مبالغ أكبر، من 100 فلس فما فوق (وتقولون لي ليش ما أبغي أرجع صغيرة؟!).
بعد أن يمتلئ «كيس الناصفة»، نسرع إلى بيوتنا لتفريغ محتوياته في إناء أو في كيس آخر، ونحفظه بعيدا عن أعين الموجودين في البيت، ثم نعود لنكمل مشوارنا في جمع حلويات «الناصفة»، وبعد أن تتعب أقدامنا نعود إلى البيت... وهنا تبدأ أحلى لحظة! بصراحة، أنا أحبها كثيرا وأشعر بالمتعة فيها، ومازلت أقوم بها مع الصغار في بيتنا... اللحظة هي عملية فرز «كيس الناصفة»، إذ تجدنا نفترش الأرض ونبدأ بعمل مجموعات، واحدة لـ «البيزات» (الفلوس)، والثانية لـ «البرميت» (الحلويات)، والثالثة لـ «الدكسبال»، والرابعة لبيض الحمام، والأخرى لـ «الحبو» (النخي) والنكلة (النقل)... وهكذا حتى ننتهي.
أذكر جيدا أننا كنا نأخذ الفلوس والحلويات، أما بقية ما جمعناه فنعطيه لمن يحبه، فتجدنا نعطي والدتي «الدكسبال»، حتى تقوم بتقشيره وتمليحه لنأكله من جديد في صورة «صلوم» (فول سوداني مملح)، أما «الحبو والنكلة» فنعطيه لأخواتي (فهن يحببنه كثيرا).
الله على أيام زمان... أعلم جيدا أن الأوضاع تغيرت، ولكن يبقى لهذا اليوم طعمه اللذيذ في نفوسنا ونفوس صغارنا، ومجددا أقول للجميع: مبارك عليكم هذه الليلة
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2200 - السبت 13 سبتمبر 2008م الموافق 12 رمضان 1429هـ