ليس هناك دولةٌ في العالم يشرّفها أن تُنشر أخبارٌ عن ممارستها لأي نوع من التعذيب بحق مواطنيها وحتى غير مواطنيها، إذا ما استثنينا الولايات المتحدة و «إسرائيل»، اللتين لا تقيمان وزنا للانتقادات الموجّهة لسياساتهما غير الإنسانية.
في البحرين، هناك مبادرات ومساعٍ إيجابية على المستويين الرسمي والشعبي، وهناك مبادرات يعبّر فيها المجتمع المدني عن سعيه وتطلعه لتحقيق هذا المعايير، وآخرها ورشة العمل التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، بشأن «البروتوكول الاختياري لاتفاقية منع التعذيب». الورشة استمرت على مدار يومين، (الخميس والجمعة)، بفندق «إليت سويت» وذلك بالتعاون مع جمعية الوقاية من التعذيب. وكان لافتا حرص الحضور على المتابعة والبقاء حتى نهاية الوقت المخصّص، والاهتمام بالنقاش وطرح المداخلات وإثراء الموضوع.
الحضور كان متنوعا، بين وكلاء نيابة وحقوقيين وناشطين سياسيين وصحافيين وسجناء سابقين، ممن قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في معتقلات «أمن الدولة». وهؤلاء هم أدرى الناس بما يعنيه السجن من آلام نفسية وجسدية، ومعاملة حاطّة بكرامة الإنسان.
فكرة تكوين جمعية لمنع أو الوقاية من التعذيب، (حسب الترجمة لكلمة «prevention») مستوحاةٌ من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومن رجل الأعمال والمحامي السويسري جان جاك غوتييه، الذي قام بتأسيسها في العام 1977، باعتبارها منظمة غير حكومية مستقلة، وتتخذ من جنيف مقرا لها. الجمعية وضعت تصورا لعالمٍ لا يتعرض فيه البشر للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، وذلك انسجاما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الجمعية تهتم بمنع التعذيب، أكثر من اهتمامها بالقضايا والشكاوى الفردية، كما هو الأمر مع منظمات أخرى. وهو ما يفتح لها الطريق للتعاون مع السلطات الحكومية وأجهزة الشرطة، والسلطات القضائية والمنظمات غير الحكومية التي تؤمن بنهج الإصلاح المؤسساتي، وتغيير الممارسات الحالية. مثل هذا الطرح المعتدل لا يمكن رفضه أو التحفظ عليه، وهو ما كان واضحا من لقاء الوزير البحارنة مع عضو جمعية الوقاية من التعذيب إستر شوفلبيرجر. وهو لقاءٌ أعقبته تصريحات ووعود، كانت موضع ترحيب عام، حتى أن أحد المسئولين بالجمعية قال إننا نسير على الطريق الصحيح إذا ما نفذت هذه الوعود.
الدولة لا يشرّفها حدوث انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان بطبيعة الحال، لما ترزح به الذاكرة الجماعية للشعب من ذكرياتٍ مؤلمة في سنوات الرصاص والآلام. والمجتمع المدني لا يتحمّل فصولا جديدة من هذه الانتهاكات التي تعيدنا إلى الوراء. ومع ذلك فإن الواقع السياسي والاقتصادي وتفاعلاتهما، لا يضمن عدم حدوث أحداث متفرقة هنا وهناك. وهو أمرٌ شهدناه على امتداد الأشهر الماضية، وأسفر عن اعتقالات ومحاكمات، وأثيرت في قاعات المحكمة وفي الصحافة قضايا تعذيب وإساءة معاملة، فضلا عن شكاوى أهالي المعتقلين بصورة متواترة.
المجتمع المدني قال كلمته، فهناك اليوم عشرون مؤسسة وجهة أهلية تطالب بتشريع يجرّم التعذيب، والانضمام إلى «البروتوكول الاختياري لمنع التعذيب»، وبقي على الحكومة أن تتخذ خطوات في اتجاه تعزيز وحماية حقوق الإنسان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2200 - السبت 13 سبتمبر 2008م الموافق 12 رمضان 1429هـ