العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ

بوش و «طالبان» بعد سبع سنوات على الهجمات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف تقرأ الإدارة الأميركية و «طالبان» والأطراف المعنية والعالم هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بعد مرور سبع سنوات على وقوع تلك الجريمة المنظمة؟ رؤية الهجمات من الزوايا الأربع مسألة مهمة لأنها تعطي صورة متكاملة عن مشهد هز العالم وأدخل عناصر جديدة على قواعد اللعبة الدولية وأحدث مجموعة تحولات لعبت دورها في تعديل قوانين الاشتباك المتعارف عليه تقليديا بين الدول.

الرئيس جورج بوش قال في خطابه الأخير عن المناسبة «نحن لم نسأم، لم نضعف، لم نفشل». «طالبان» قالت في بيانها عن المناسبة إنّ الولايات المتحدة «على وشك هزيمة تاريخية» وأنها «على شفير الهاوية». استطلاعات الرأي أشارت إلى وجود شريحة واسعة في العالم لاتزال تعتقد أنّ هناك «مؤامرة»، وهذه الشريحة التي تتفاوت نسبتها ما بين 7 و33 في المئة تحمّل أميركا و«إسرائيل» مسئولية الكارثة. أما مجموع العالم الذي أدان الهجمات وتعاطف مع الولايات المتحدة بدأ يتراجع عن مواقفه وأخذ ينتقد واشنطن بسبب إفراطها في استغلال الجريمة واستخدامها ذريعة لتمرير سياسة تتجاوز حدود البحث عن الفاعل. فالفاعل الذي اتهمته الإدارة الأميركية بالوقوف وراء الهجمات لايزال يقبع في جبال تورا بورا (أفغانستان) بينما واشنطن تبحث عنه في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال واليمن وباكستان وغيرها من دول العالم الإسلامي.

رؤية الصورة من الزوايا الأربع مفيدة؛ لأنّها تعطي مادة حيوية للقراءة ما يساعد على فهم تلك السياسة الأميركية التي اعتمدت استراتيجية التقويض ضد أطراف لا علاقة لها بذاك الهجوم الذي وقع قبل سبع سنوات في نيويورك وواشنطن.

حتى الآنَ لاتزال إدارة بوش ترفض الاعتراف بالخطأ وهي تتمسك بتلك المقولات التي اعتمدتها لتبرير سياسة الهجوم الدولية المعطوفة على الخروج ضد العالم الإسلامي تحت شعار «مكافحة الإرهاب». وخطاب بوش الذي ألقاه بمناسبة رفع الستار عن نصب تذكاري للضحايا في باحة خارجية لمبنى البنتاغون (وزارة الدفاع) كرر بأسلوب ممل تلك الكلمات التي أطلقها يوم إعلان ساعة الحرب الدولية على «شبكات الإرهاب». فالخطاب يؤكّد صوابية النهْج الأميركي انطلاقا من فكرتين: الأولى أنّ الحرب فرضت على الولايات المتحدة وهي دخلتها دفاعا عن الأرض الأم. والثانية أن الحرب اعتمدت تكتيك الضربات الاستباقية حتى تمنع العدو من تكرار هجماته.

نظرية «الدفاع الهجومي» أو «الهجوم الدفاعي» لاتزال تسيطر على رؤية بوش للهجمات. فالنظرية اعتمدت لتبرير سياسة الخروج على العالم الإسلامي؛ بذريعة أن ثقافة هذا العالم تولد العنف وتعطي دينامية لقوى التطرف للتمدد وتغطية أفعالها.

المعركة إذا وبحسب المفهوم «البوشي» ايديولوجية وهي كما قال وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد «حرب أفكار» ومن يربح الجانب الفكري من المعركة يربح الحرب. ولهذا قررت الإدارة خوض تجربة ميدانية واسعة جغرافيا وبعيدة المدى زمنيا حتى تعطي «الفوضى الخلاقة» ثمارها السياسية وتقلب نمط حياة الناس بذريعة مساعدتها للعودة إلى النهج الإنساني الصحيح. وهذا الأمر الفكري (الايديولوجي) لا يتحقق بحسب ما قاله بوش في خطابه الأخير بالمناسبة إلاّ بالقتال «في الخارج» حتى يتم تجنب «مواجهتهم هنا في ديارنا».

الحرب اضطرارية كما يذكر بوش في الذكرى السابعة للهجمات وهي حصلت ردة فعل على فعل ولم تخطط لها الإدارة الأميركية أو تستخدمها ذريعة لتغطية استراتيجية التقويض ضد الدول العربية والإسلامية (تغيير الخرائط السياسية وتعديل نمط الحياة والثقافة). فالخروج إلى أرض الآخر استهدف منع الآخر من الدخول إلى «ديارنا». وهذا بالضبط ما أراده الطرف الذي استفز الإدارة الأميركية حين قرر ضربها في ديارها حتى تتحرك القوات وتخرج إلى أمكنة بعيدة ما يعطي فرصة لعزلها وتطويقها وضربها في مناطق وعرة جغرافيا ومتداخلة في تضاريسها البشرية.

«نحن لم نسأم، لم نضعف، لم نفشل». هذا ما قاله بوش في خطاب المناسبة. والكلام في منطقه العام يرد على قراءات خاصة ترى أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة السأم والضعف والفشل... وبعدها ستبدأ مرحلة الهزيمة «التاريخية» ثم مرحلة التراجع وصولا للسقوط في «الهاوية». كلام بوش لم يطلق في الهواء وفي سماء صافية وإنما جاء للرد على قراءات ترى أنّ أميركا أخطأت في حساباتها وعلى إدارتها إعادة النظر في استراتيجية ساهمت في تحطيم الدول العربية والإسلامية وأضعفتها مقابل تقوية «القاعدة» وتبرير سلوكها العام وأفعالها المغامرة.

«طالبان» وبيانها

بيان «طالبان» في المناسبة أعطى صورة أخرى من زوايا المشهد. فالبيان أكّد على حتميتين: «انتصار الإسلام» و «هزيمة أميركا». وبغض النظر عن التوقيت والكلفة وطول المدة الزمنية فإنّ بيان «طالبان» راهن في استنتاجاته السياسية على «التاريخ». فالهزيمة «تاريخية» وليست جغرافية. أي أن أميركا «على شفير الهاوية» التاريخية التي تعني أنها لم تعد قادرة على الدفاع عن مصالحها خارج أرضها؛ لأنها دخلت منطق «الضلال على الجبهات العسكرية والاقتصادية والسياسية في العالم».

قراءة الصورة من الزاويتين (أميركا وطالبان) تعطي فكرة عن رؤيتين صحيحتين: أميركا فعلا لم تضعف ولم تفشل، وأميركا فعلا دخلت طور «الهزيمة التاريخية». فالقراءة المزدوجة ترسم خريطة طريق لمرحلة انتقالية بدأ العالم يشهد بعض إرهاصاتها من الصين إلى القوقاز ومن «الشرق الأوسط الكبير» إلى أميركا اللاتينية... وربما الشمالية في حال نجح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية.

كلّ هذه المتغيرات في الطور الانتقالي تكشف عن وجود تحولات في قواعد اللعبة الدولية. وحين تبدأ قواعد اللعبة في التحول تصبح إمكانات تعديل قواعد الاشتباك الدولية واردة. وهذا بالضبط ما بدأ يحصل في العلاقات الروسية - الأميركية، والأميركية - الأوروبية، والأوروبية - الروسية. فهذه المتغيرات التي تأسست على مواجهة دموية في جورجيا بدأت تعطي مفعولها الدولي؛ لأنها أخذت تعدل زوايا الصورة وتنقلها من ثنائية (الولايات المتحدة والإسلام) إلى ثلاثية (دخول روسيا على خط المواجهة) وقريبا رباعية حين تبدأ القوى الكبرى تعيد النظر في مصالحها وكلفة تلك الصعوبات التي يمكن أن تتعرض لها بسبب تحالفها مع واشنطن.

استطلاعات الرأي التي جرت بالمناسبة تؤكد فرضية بدء ظهور قراءات لاتزال تشكك بالطرف المسئول عن الهجمات. فالعالم ينظر إلى الصورة من زاوية مخالفة؛ لأنّ دوله وشوارعه ومراكز قواه وأجهزة الضغط (الرأي العام) لا تستبعد وجود شبهة موصولة بمصالح مجموعات اقتصادية احتكارية (لوبيات) تعمل لجانب تعزيز سيطرة مؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة على أسواق المال الأميركية.

الاستطلاعات التي تعكس وجهات نظر ليست بالضرورة صحيحة في استنتاجاتها السياسية لكنها تكشف عن وجود شعور أخذ يتنامى في العالم وبدأ يتجّه نحو نوع من الضجر المخالف في رؤيته لكلّ القراءة الرسمية التي يكررها بوش سنويا في خطاباته. الإحساس بالضجر يعزز مع الأيام قوة الاعتراض على نهج فاشل اعتمدته واشنطن للرد على «إهانة» استفزت «الثور» في عقر داره.

بوش أكّد في خطابه أنّ أميركا لم تضعف ولم تفشل وهذا صحيح من زاويته. و «طالبان» أكدت في بيانها أن الولايات المتحدة على قاب قوسين من «هزيمة تاريخية» وهذا صحيح من زاويتها. والكلام عن الفشل والضعف والهزيمة ليس سهلا حين يرد في إطار البحث عن عوامل القوة في دولة كبرى كالولايات المتحدة. ولكن المنطق يشير انطلاقا من زاويتين مضادتين إلى أنّ العالم تغير والولايات المتحدة لم تعد تلك الدولة كما كانت عليه قبل سبع سنوات. وبسبب هذا الاختلاف يمكن القول إن قواعد الاشتباك الدولية أخذت تتعدل في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية ما يعني أن المعركة طويلة وتحتاج إلى تاريخ (فترة زمنية) لترتسم خريطتها الجغرافية - السياسية.

الصورة إذا مختلطة وهي تتطلب قراءة من الزوايا الأربع حتى يمكن التقاط عناصرها التكوينية وألوانها. ولهذا السبب ظهرت قراءات تتحدث عن «التاريخ» في مناسبة الهجمات وأيضا نفهم لماذا سيغادر بوش مكتبه في البيت الأبيض قبل نهاية المعركة. فالحرب طويلة كما يبدو وتوقيت إيقاف عناصرها التفجيرية مسألة مفتوحة على الزمن ومؤجلة سياسيا لذلك قرر بوش ترك الموضوع إلى خلفه ليقرر ما يفعل بشأنها، وكذلك تركت «طالبان» للتاريخ أنْ يأخذ دوره في صوغ المشهد الأخير من النهاية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً