بما أنّ وزارة العمل لا تستطيع التحكّم بأعداد العمالة الوافدة إلى البحرين بسبب الطفرة الاقتصادية التي تقدم عليها المملكة، حيث زيادة أو نقص تأشيرات الاستقدام للسنوات المقبلة منوطة بحركة التنمية العمرانية والتجارية المأمولة، فإنّ هدف الوزارة يجب أن يصب باستمرار باتجاه تلبية حاجات السوق مع حرصها على الإيفاء بمتطلبات البحرنة. ومع ذلك إذا ما أرادت الوزارة القيام بما ذكر من هذه الأهداف فمن باب أولى تكون هناك نيّة صادقة للتغيير من داخل الوزارة، وأنْ تبدأ باللجنة المنوط بها تقييم حجم العمالة المستقدمة للمؤسسات والشركات حيث هذه اللجنة مكونة من مسئولين لدى الوزارة، والغريب أنه على رغم وجود هذه اللجنة فإنّ هناك استثناءات لتصاريح الاستقدام من قبل الوزير والوكيل وكذلك المدير التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أرقام غير مبررة. والسؤال لِمَ وجود هذه اللجنة في ظل هذه الاستثناءات؟
من المعلوم إنّ المحسوبية توجد عدم الالتزام بالنظام، وأكبر دليل على سوء استخدام الاستثناءات قضية المنقبة, كما في اعتقادي أنّ وزارة العمل تعي جيّدا ما آلت إليه هذه القضية، ولا نريد أن نطلق على هذه القضية قضية فساد ولكن سأترك التسمية للوزارة بحسب توصيفها كي لا نتهم بالإساءة للغير.
كما أنّ الوزارة في اعتقادي تعلم علم اليقين بأن طلبات الاستقدام المرفوضة من قبل اللجنة والمقدّمة من بعض المؤسسات يتم الموافقة عليها بعد إعادة تقديمها من خلال مخلّصين!، علما بأن أسباب الطلبات واحدة.
هنا أردتُ التوصيف حيث هذه الحالات من الممكن أنْ تكون لدى وزارة أخرى، ولكن السيئ لا يبرر الأسوأ.
إذا كانت هنا مؤسسات أو شركات أو حتى أشخاص مخالفة للاشتراطات، وتقوم بتسريح هؤلاء العمال، يجب أن تمنع تلك الشركات من دخول أيّ مناقصات، وإحالتها إلى التحقيق، بالإضافة إلى عدم التعامل معها كعقاب، ولكن ماذا عن المسئول الذي تجاوز قوانين واشتراطات اللجنة الصورية بما يسمّى بالاستثناءات، آسف على هذا التوصيف حيث هذه اللجنة مكونة من موظفين ومسئولين بالوزارة فهذه التسمية الأقرب لهذه اللجنة، وليس لشخصهم.
وهنا أقول يؤدي هذا النوع من الخلل إلى تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز. كما يؤدي انتشار الفساد في القطاع الخاص إلى زيادة كلفة العمل التجاري من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة وكذلك ازدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسئولين ومخاطر انتهاك الاتفاقيات أو الانكشاف. ورغم أنّ البعض يدعي بأنّ هذا النوع من الخلل يقلل من النفقات الإدارية عن طريق تجاوز الروتين الإداري، فإن العمل تحت الطاولة يمكن كذلك أنْ يدفع المسئولين لاستحداث تعليمات وحالات تأخير جديدة في إنجاز المعاملات. ومع إسهام في زيادة تضخم النفقات التجارية فإنّ هذا النوع من الخلل يشوّه الملعب التجاري، إذ يحمي الشركات ذات المعارف في الحكومة من المنافسة ما يعني بالنتيجة استمرار وجود شركات غير كفوءة. وعلاوة على ذلك يولد الفساد تشوهات اقتصادية في القطاع العام عن طريق تحويل استثمار المال العام إلى مشروعات رأس مالية تكثر فيها الرشى. ويلجأ المسئولون إلى حيلة زيادة التعقيدات الفنية لمشروعات القطاع العام لإخفاء أو لتمهيد الطريق لهذه التعاملات غير المشروعة، ما يؤدي بالنتيجة إلى زيادة تشويه استثمار المال العام. ويؤدي الفساد كذلك إلى خفض معدلات الالتزام بضوابط البناء والمحافظة على البيئة والضوابط الأخرى والى تردي نوعية الخدمات الحكومية وزيادة الضغوط على موازنة الحكومة.
يقول خبراء الاقتصاد إنّ أحد أسباب اختلاف معدلات التنمية الاقتصادية بين إفريقيا وآسيا يعود إلى أن الفساد في إفريقيا قد اتخذ شكل اشتقاق الإيجارات الذي ينجم عنه تحريك رأس المال إلى الخارج بدلا من استثماره في الداخل (وهو النمط التقليدي والمحبط الذي نشهده في قيام الحكام الدكتاتوريين الأفارقة بإنشاء حسابات مصرفية لهم في بنوك سويسرا) أمّا الإدارات الفاسدة في آسيا من قبيل إدارة سوهارتو فغالبا ما اتخذت هيئة الحصول على حصة في كل شيء.
هنا أقول إن هذا النوع من الخلل أو الفساد قد ينخر في القدرة المؤسساتية للحكومة؛ لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها. وكي لا نصل إلى هذا الحد ماذا لو شكلت لجنة محايدة من ذوي الاختصاص ويراعى فيها عدم المحاباة، هذا بجانب تخلي المسئولين عما يسمّى بالاستثناءات التي هي في الغالب مجهولة المعايير. إن التغيير المقترح ليس مقتصرا على وزارة العمل بل على كل من يتحسس وجود بطحة على رأسه من بقية الوزارات.
وهنا أقول لأخي المسئول: الحمد لله الذي هيّأ لعباده أسباب الهداية ويسّر دروب الاستقامة، وفتح لهم أبواب رحمته والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين وعلى مَنْ سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ