العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ

دعوة لمغادرة ثقافة الميادين والأنصبة... صندوق لدعم العمل النقابي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

التقيته أثناء تأديتي واجب العزاء في رحيل إحدى الأقارب وهو إحدى القيادات النقابية البارزة التي فصلت من عملها ضمن إحدى كبريات الشركات العالمية التي لديها مقر في البحرين، وذلك بسبب إصرارها على حقها المشروع والمكفول في ممارسة العمل النقابي أسوة بغيرها من نقابات، ولا أدري إن كان لقائي بالنقابي في مجلس العزاء صدفة أم قدر مقصود لذاته والله أعلم، وهو الذي قد أدى وأودى به تمسكه وعضه بالنواجذ على هذا الحق النقابي إلى أن يكون نزيلا مستمرا في أروقة المحاكم بين استئنافات عدة إلى أن وصل الأمر واستقر إلى ناحية محكمة «التمييز»، وعلى الرغم من رجحان كفة الحق النقابي على حساب سلطان المؤسسة الخاصة وحصوله على مبلغ تعويض مالي، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم ولن يعود إلى عمله فمثل هذه الخطيئة/ الحق النقابية لا تنفع معها توبة ولا تضيئها وتطهرها شمس «المشروع الإصلاحي»!

ولكأن العمل النقابي في حد ذاته يخدش ويهتك العرض المهني الذي لا يصان، إلا بأن يصبح الفرد العامل والموظف أسيرا وعبدا لدى المؤسسة وأربابها وتصبح مواطنته مرهونة لحكم ورواية «العنقاء» التي ستخرج ذات يوم وتنبثق كجذوة ملتهبة من كوم رمادها المحترق!

قد لا أرى أنه من الضروري أن أستعيد عرض وسرد تاريخية العمل النقابي وصدارته المشرفة للحركة المطلبية الوطنية وللنضال المدني الاجتماعي والسياسي بأكثر من شكل وصورة وطيف منذ أوائل القرن الماضي، فجميع تلك الأبعاد والامتدادات لم تغير من واقع العمل النقابي وهو الخطيئة في صورة الحق، ففي هذه البلاد تجذرات وتشابكات وترسبات من إقطاع اجتماعي وسياسي واقتصادي مؤسسي يبدو أنه لا ينفع معه غسيل ماء البحر ووابل الشآبيب ولن يعطك نتيجة تسر البال، فحتى تلك اللحظة على النقابيين المفصولين الانتظام في جلسات المحاكم والمرافعات كما لو أن حالهم في البؤس والكآبة أشبه بحال مداومة مرضى السرطان على حضور جلسات العلاج الكيماوي (وقانا الله وإياكم) على أمل الشفاء، وذلك حينما تتم مبادلة العمل النقابي بالتوازن والاستقرار الاجتماعي!

فإن كانت شفاعة الدولة قد لا تطال فكذلك ربما شفاعة الجمعيات السياسية المعارضة التي قد تبدو كما لو أنها تزج بأتباعها في أتون العمل النقابي، خصوصا وإنني حينما اتصلت بنقابية عتيدة أثيرت قضية فصلها ومعاقبتها من قبل مؤسستها بأساليب لا تليق إلا بأن تصنف ضمن إرث «نظام الأبارتهايد العنصري»، فقد فوجئت بأنها ترجوني وتحثني على توجيه قدر ملائم ومناسب من النقد أيضا إلى هذه الجمعيات السياسية التي تضيق على النقابي وتجبره على التراجع لكونه يحرجها ويضيق عليها بذلك!

وفي سياق حديثنا العابر الذي أتى من دون موعد سألت أخونا القيادي النقابي المفصول عن العمل منذ حين من الدهر «كيف تتدبر حالك؟! كيف تنفق على نفسك؟! كيف تسدد أقساطك وديونك؟!» فأجابني على الفور «إنني أتقاضى مرتبا شهريا من «اتحاد نقابات عمال البحرين» بقيمة 200 دينار بحريني»، باغته تساؤلي «وهل تكفي مع هذا الغلاء المعيشي والمصروفات غير المتوقعة في الحسبان؟!» فقال «الحمدلله على كل حال»، «وماذا ستفعل؟!»، «بانتظار حكم العدالة والإنصاف من القضاء البحريني بإذن الله».

وبما أننا في سياق استعراض نموذج لقضايا المفصولين عن العمل وما يتقاضاه من تنطبق عليه شروط الفصل عن العمل من مرتب زهيد قدره 200 دينار بحريني، ومع إقبالنا على ما يبدو كما لو أنه مرحلة من العسف الشمولي البيروقراطي ومزيد من العسكرة الحتمية حينما تتوسع سلطة على حساب سلطات أخرى ويكون لها حق تقرير المصير ومحاسبة المواطن حتى على مواطنته وتلوح نذر الفصل من الخدمة الوظيفية، والتضييق على الحريات العامة في الأفق المعتم، فقد لفت نظري ما اطلعت عليه في هذه الصحيفة تحت عنوان «5 ملايين دينار لإنشاء ميدان ونصب العامل البحريني... الاستعانة بخبرات عالمية... والتصورات النهائية ترفع لجلالة الملك لإقرارها»، فالخبر يشير إلى أن هناك اتجاها مزمنا إلى تكريم العامل البحريني بإنشاء نصب تذكاري وميدان ووجود لجنة مشتركة مكلفة لمتابعة هذا المشروع وتضم عضوا من «الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين» وأنه ستتم مراعاة «الأعراف الدينية» في هذا النصب والميدان ودراسة نماذج من الرسوم ليكون ذلك النصب والميدان معلما سياحيا جاذبا!

وحتى لا أطيل كعادتي على القارئ العزيز فإنني أستئذنه لأكشف له عن ما أتعرض له من استفزاز بالغ ومن إحساس بالقهر حينما أرى تفشي ملامح ثقافة الميادين والأنصبة التاريخية بشكل فائض على القضية ولب الأزمة، فنصب وميدان «العامل البحريني» لربما يعيدني إلى تلك الأيام الأولى من «المشروع الإصلاحي» حينما تداول العزم على إنشاء نصب تاريخي ليضم توقيعات المصوتين بالإيجاب على «ميثاق العمل الوطني» وقد عظم أمر هذا النصب حتى شهدنا السنون تتقدم بهذا المشروع وليد مرحلته ولحظته من دون أن نشهد نقدا موضوعيا وإعادة مراجعة وقراءة لحاله ومآله ومدى إمكانية وجود التوقيت الزمني لتحقيق مزيد من التقدم السياسي وفي سلم الحريات والحقوق المدنية وفي الإصلاحات الدستورية وهي حالات فريدة لمشروعات لا تعاد قراءتها ومراجعتها ونقدها!

كما أن موضوعات الأنصبة والميادين تلك المغيضة في وقت تستبد فيه الحاجات والأولويات الضرورية ترجعني إلى ذلك الجدال العبثي والعقيم الذي دار عن تسمية واختيار «يوم الشهيد» وكيف أصبح هذا الأمر قضية كبرى في حد ذاتها، وذلك في الوقت الذي لا يلاقي فيه أبناء الشهداء والضحايا الحقيقيين ما يلاقوه من صنوف التهميش والحرمان والإذلال والتنكيل والتخوين والانقلاب من الرفاق قبل الجهات المخاصمة والمعادية مع بروز زعامات طائفية وطفيلية ونبوغ مجد سراق الحصاد وما حطه السيل!

واليوم بما أن العامل البحريني أيا كان مدعو لتكريم تاريخي، وهذا هو الأساس والهدف، فإنني أدعو الإخوة الأفاضل أن يراجعوا مشروعهم ذاك وأن نغادر جميعا ثقافة الأنصبة والميادين، فنطرد مزيدا من التجويف والتوثين والجمود للقضية ونعزز البعد التضامني الروحي الأهم والمتراجع بين عمال هذا البلد، فيتم توجيه ذلك المبلغ المجزي في ما لو تم إقراره إلى تكريم حقيقي للعامل وللنقابي البحريني عبر ما يخدم مصالحهم بشكل جوهري، فليكن هنالك مشروع «صندوق دعم العمل النقابي الوطني» أو «صندوق العامل البحريني» حتى تحصل النقابات والاتحادات العمالية والعمال والموظفون البحرينيون على قدر لائق من الدعم والتكريم والإسناد ويجد المفصولون من العمل بسبب حقهم/ خطيئتهم النقابية سقفا أقوى من الحماية والإسناد يفوق ما توافره لهم المئتا دينار بحريني باستثمار أكثر استدامة في ما يوافق شروط المرحلة آنفة الذكر وعلاوة عليها ازدياد القوى العاملة الأجنبية ورفع المطالب بإقرار «التعددية النقابية»!

فلعمري إن لفي مغادرة ثقافة الميادين والأنصبة وتبني مشروع كبير وموسع كهذا ليمثل خير تكريم للعمالة البحرينية الموشكة على التلاشي، وللنقابي الذي استجيب لقدر فصله من العمل جزاء عدم تخليه عن خطيئته/ حقه النقابي فينل بذلك خير التعويض وجبر الخواطر، وهو خير له من أن يصدم ويشدخ برأسه ذات يوم في هذا النصب إذا ما ضاقت به السبل المعيشية، أو أن تمكث وتتفيأ عائلته في ظلال ذاك الميدان ويظل أسيرا لعيون المواطنين والمقيمين والسياح الأجانب ولا فرق بينهم جميعا في أبأس حلة ساعة تكريمه!

هل سيأخذ الإخوة الأفاضل بهذا المقترح جزاهم الله خير الجزاء؟!

متى نغادر ثقافة الميادين والأنصبة؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:50 م

      ع /ب

      الزيت يطفو على الماء.فلا نكذب على انفسنا بوجود نقابات
      من يملك العصا.....هل يعطيك إياها لتضربه؟؟
      الزمان والآفات الجوع والترهيب ..الترهيب لتطويع ليس إلا؟

اقرأ ايضاً