العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ

أوقات الذعر لدى الاحتياطي الفيدرالي

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

أصبح تخبط وزير الخزانة الأميركية هنري بولسون أكثر إثارة وحبسا للأنفاس في كل أسبوع يمضي.

ففي نهاية شهر مارس/ آذار الماضي أخرج وزير الخزانة خطة كبيرة لتتويج مجلس الاحتياط الفيدرالي (بنك أميركا المركزي) كعامل استقرار مالي جديد للأمة. هل الاحتياطي الفيدرالي هو حقا من يوفر الاستقرار؟ إنه هو الذي خلق المشكلة المالية التي نعاني منها!

وإذا لم يكن ما فعله سيئا بما فيه الكفاية، فقد تنطح وزير الخزانة دور القائد المشجع لبكين طالبا منها رفع قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار. وبينما يعمل كل ما في وسعه لتخفيض قيمة العملة الأميركية، فإن بولسون يدعونا إلى البقاء هادئين وواثقين بدعوى أن العوامل الاقتصادية ما زالت سليمة. إنه بذلك يذكرني بالمتعامل في السندات المالية الذي يُقدم خدمة غالية لشركائه عن طريق كونه مخطئا طوال الوقت.

خلال فترة ولاية غرينسبان - بيرنانكي، اعتنق الاحتياطي الفيدرالي وجهة النظر القائلة بأن الاستقرار في الاقتصاد والاستقرار في الأسعار هما شيئان منسجمان يتممان بعضهما بعضا. فما دام أن التضخم باقٍ على المستوى المحدد أو أقل منه فإن قاعدة العمل هي الإصابة بالذعر لرؤية أي اضطراب حقيقي أو متصوّر للاقتصاد، وتقديم إغاثة طارئة سريعة. الاحتياطي الفيدرالي يفعل ذلك عن طريق تخفيض نسب الفوائد إلى ما هو أدنى من سعر السوق لو كان السوق هو الذي يحددها. وعندما تُصبح نسب الفوائد منخفضة بشكل غير طبيعي فإن المستهلكين يخفضون من توفيراتهم لصالح الاستهلاك، كما يرفع المستثمرون من نسب إنفاقهم على الاستثمار.

ومن ثم يتكون لديك اختلال بين التوفير والاستثمار. ويكون لديك اقتصاد غير قابل للنمو المستدام. هذا باختصار هو الدرس الذي تعلمناه للنظام النقدي المركزي الذي تم تطويره في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. فقد حذّر علماء الاقتصاد النمسويون من أن استقرار مستوى الأسعار قد يكون متعارضا مع الاستقرار الاقتصادي وقد ركّزوا تركيزا كبيرا على حقيقة أن مستوى الأسعار ليست كما تُقاس عادة إنما تشمل البضائع والخدمات فقط. أسعار الموجودات تُستثنى منها. (جوهر القياس الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي لقياس أسعار المستهلكين، بطبيعة الحال لا يشمل حتى جميع البضائع والخدمات). وقد توصّل النمسويون إلى نتيجة مفادها أن الاستقرار المالي يجب أن يشتمل على بُعد يمتد إلى إدخال أسعار الموجودات، وأن التغيّرات في الأسعار المقارنة لمجموعة مختلفة من السلع والخدمات والموجودات هي أمر بالغ الأهمية. فبالنسبة للمدرسة النمسوية للاقتصاد يمكن أن يكون الاقتصاد المستقر متوافقا مع سياسة نقدية تكون فيها الأسعار في انخفاض طفيف.

الأزمة المالية الأميركية الحالية تتبع النمط الكلاسيكي. ففي العام 2002 صدر عن المحافظ بيرنانكي صفارات إنذار تقول إن التباطؤ الاقتصادي يُهدد الاقتصاد الأميركي. وقد أقنع زملاءه أعضاء المجلس بذلك الخطر. وكما عبّر عن ذلك غرينسبان «إننا نواجه تحديات جديدة في الحفاظ على استقرار الأسعار، وبشكل خاص بتجنب هبوط التضخم إلى مستويات منخفضة أكثر من اللازم».

ففي مواجهة احتمال انكماش اقتصادي، أصاب الاحتياطي الفيدرالي الذعر. وما أن جاء شهر يوليو/ تموز 2003 حتى أصبح معدل نسب الأموال الفيدرالية بمستوى قياسي منخفض بأقل من 1 في المئة حيث ظلت في ذلك المستوى المنخفض على امتداد سنة كاملة. وقد أدى ذلك إلى وقوع أم جميع دورات السيولة الحديثة، وكما توقع أعضاء المدرسة النمسوية، انتهى انتعاش التسهيلات المالية نهاية سيئة.

وحفاظا على النمط الذي دأب على اتباعه، فقد أصاب الذعر الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى، بحيث أقدم على تخفيض نسب الفائدة وإغراق الاقتصاد بالسيولة. قياس عريض لكمية الإصدارات النقدية تُفيد بأن الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس زاد من إصداراته بمعدل سنوي بلغ 37.7 في المئة ما بين نهاية يناير/ كانون الثاني وحتى 24 مارس/ آذار. وبهذا الاندفاع الكبير لكميات النقد ومكاسب الأسعار التي تحققت في شهر فبراير/ شباط 2007 والتي بلغت 4 في المئة لسلع الاستهلاك، و6.4 في المئة لسلع الإنتاج، و13.6 في المئة للسلع المستوردة، فليس عجيبا أن نرى توقعات التضخم في ارتفاع.

وليس غريبا أيضا أن يظل الدولار عليلا، وهو الأمر الذي يجعل من رسالة وزير الخزانة بولسون إلى بكين رسالة شاذة، وبالأخص أنها مبنية على معطيات غير صحيحة قدّمها عدد كبير من الاقتصاديين المرموقين. أعرب بروفيسور الاقتصاد في جامعة هارفرد، مارتن فلدستاين، عن وجهة نظره بأن ميزان التجارة الثنائي بين الولايات المتحدة والصين يتقرر نتيجة لسعر تبادل العملة بين اليوان والدولار. ولذلك، وحتى يمكن تخفيض فائض التجارة لصالح الصين مع الولايات المتحدة فإنه يدعو إلى رفع قيمة اليوان.

هذه النصيحة كلام فارغ. فالموازين التجارية تتقرر نتيجة لقدرات التوفير الوطنية، وليس نتيجة لأسعار الصرف. إن فائض التوفير الصيني وعجز التوفير الأميركي يقرران إلى حد كبير اختلال التوازن التجاري بيننا وبين الصين. يتوجب على وزارة الخزانة الأميركية أن تكون قد تعلّمت هذا الدرس بعد سنوات من إرغام اليابانيين على رفع قيمة الين الأمر الذي أدى إلى النيل من استقرار الاقتصاد الياباني ومن دون إعطاء أية فائدة للتوازنات التجارية.

وإلى أن يتخلى مجلس الاحتياط الفيدرالي عن تحديد التضخم وتتخلى الولايات المتحدة عن سياستها القائمة على ضعف الدولار، فإن التضخم سيكون هو سيد الموقف.

*استاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً