تؤكد زيارة الرئيس نيكولاس ساركوزي هذا الشهر إلى دمشق فشل سياسته في عزل نظام الرئيس بشار الأسد.
بدأت هذه السياسة في نهاية العام 2004 عندما شكل الرئيسان جورج دبليو بوش وجاك شيراك جبهة مشتركة بعد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559 في 2 سبتمبر/ أيلول من تلك السنة، الذي نادى بانسحاب القوات السورية من لبنان وتفكيك جميع الميليشيات - ما يعني حزب الله بشكل رئيسي.
بعد بضعة شهور وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، اضطر السوريون للانسحاب من لبنان وقامت الأمم المتحدة بإنشاء لجنة دولية للتحقيق.
بدا مستقبل النظام السوري مشكوكا فيه بشكل متزايد. قرر بوش وشيراك الضغط بعنف أكثر، مقاطعان النظام السوري سياسيا ومعاقبته اقتصاديا. كانت سوريا بالنسبة لإدارة الرئيس بوش جزءا من «محور الشر».
انهارت سياساتهما بعد ثلاث سنوات وحرب. يعود ذلك جزئيا إلى الوضع في لبنان، وكذلك لسوء قراءتهما لسياسة سوريا. لم يكن النزاع في لبنان بين «الرجال الطيبين» و»الرجال الأشرار»، وإنما كان بين تحالفين، يمثل كل منهما نصف عدد السكان تقريبا.
كان حزب الله متحالفا مع الرئيس ميشيل عون، الزعيم الرئيسي للمسيحيين الموارنة، وهو أمر لم يدخل في منظور الرئيس بوش. يعني أي حل سياسي حلا وسطا يجب أن يأخذ بالاعتبار توازن القوى هذا، وإلا فإنه يتوجب حل الأمور بالبنادق (وسيفوز الطرف الأقوى وهو حزب الله).
ماذا كانت سياسة سورية إذن، حتى يتسنى تجنب السيطرة على لبنان عسكريا مرة أخرى كما كانت تفعل في تسعينات القرن الماضي أو في بدايات هذا العقد، ولمنع لبنان من التحول إلى جبهة معارضة ضد النظام السوري (كما أراد البعض في التحالف اللبناني المساند للغرب)، ولأجل إبقاء السؤال اللبناني مفتوحا (بما في ذلك سلاح حزب الله) كورقة مفاوضة مع «إسرائيل»؟ عندما تم تحقيق هذه الأهداف في اتفاقيات الدوحة بين الغالبية اللبنانية والمعارضة، قامت دمشق بالموافقة عليها دون تحفظات.
أخبرني الرئيس الأسد هذا الصيف أنه يريد صنع السلام مع «إسرائيل». إنه خائف على مستقبل المنطقة، التي أصبحت أكثر محافظة اجتماعيا وأخذت تنزلق نحو الإرهاب. لكي لا تصبح البلد أرضا خصبة للإرهاب، حسب قوله، فأنت تحتاج للتنمية والثقافة ولنظام تعليمي وللحوار. وأنت بالتأكيد تحتاج للسلام. وهذا اختلاف أساسي عن السياسة الإيرانية.
في شهر مايو/ أيار الماضي أعلنت «إسرائيل» وسوريا افتتاح مفاوضات غير مباشرة يتوسط فيها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
«بعد ثماني سنوات من الشلل» يقول الأسد مشيرا إلى نهاية المفاوضات بين الدولتين العام 2000، «بعد الحرب على لبنان وبعد هجمتين اثنتين على سوريا، لم تعد هناك ثقة. نحن نسبر غور نوايا «إسرائيل». لن نثق بهم وقد يكونوا لا يثقون بنا».
«نريد أن نتأكد أن الإسرائيليين مستعدون للسلام»، يقول الأسد، «مستعدون لإعادة هضبة الجولان بأكملها».
سوف يعني السلام بين «إسرائيل» وسورية، بشكل سريع، سلام بين «إسرائيل» ولبنان وحل لمشكلة سلاح حزب الله. سوف يعني السلام بين «إسرائيل» وكافة جيرانها. بالطبع تبقى القضية الفلسطينية حجر عثرة، إلا أن أوضاع حلها ستتغير بشكل أساسي.
هل أوروبا وفرنسا والإدارة الأميركية الجديدة على استعداد للدفع بهذا الاتجاه؟
طلب الأسد من ساركوزي مساعدته ولعب دور في هذه المفاوضات. تستطيع أوروبا المساعدة بالطبع، ولكن الولايات المتحدة تبقى هي اللاعب الرئيسي. وحتى يتسنى لثلاثتهم النجاح يتوجب عليهم أن يفهموا أنه لن يكون هناك اتفاق في غياب انسحاب كامل من الجولان.
في العام 2000 وبعد مفاوضات طويلة كان السلام قريبا. وكما قال الأسد كانت 80 في المئة من المشكلات قد حلّت، خاصة في مجال الأمن الذي يعتبر غاية في الأهمية بالنسبة لـ»إسرائيل». رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي يومها، أيهود باراك في اللحظة الأخيرة التوقيع خوفا على بقاء تحالف حكومته. يحتاج الأمر إلى أميركا وأوروبا لإقناع الحكومة الإسرائيلية المستقبلية بأن السلام مع سوريا يستحق مرتفعات الجولان.
وماذا عن العلاقات بين سورية وإيران؟
ستستمر بالطبع، لأسباب اقتصادية وسياسية جيدة. ولكن إذا استطاعت سوريا ولبنان صنع السلام مع «إسرائيل»، فإن طبيعتها ستختلف. سوف تصبح علاقات عادية طبيعية مثل علاقات إيران مع سوريا والهند والكثير من الدول النامية.
*نائب مدير صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» وخبير في شئون الشرق الأوسط. وهو عضو في المجلس الإداري لمؤسسة العالم العربي ورئيس جمعية الصحافيين الفرنسيين ومتخصص في شئون المغرب والشرق الأوسط، والمقال ينشر بالتعاون مع كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2198 - الخميس 11 سبتمبر 2008م الموافق 10 رمضان 1429هـ