دعا صالح المطلك الشعب العراقي إلى مقاطعة البضائع الإيرانية في عموم العراق احتجاجا على التدخل الإيراني في الشئون العراقية.
بطبيعة الحال فإن الدعوة جاءت من مخيال سياسي ناشف، ومتورط في تفسير الحوادث من خلال هوج قومي شوفيني.
لا أدري هل يُدرك المطلك ما قال أم أنها صرعة موسم. فالعراق ومنذ سقوط النظام البعثي فيه بات يعتمد على المنتجات الإيرانية بشكل شبه تام. فالبيوتات البصراوية على سبيل المثال والتي يهجع فيها ثلاثة ملايين عراقي تعتاش بالكامل تقريبا على ما يَرِدها من إيران عبر منفذ شلمجة الحدودي.
مكيفات هواء إيرانية بأسعار زهيدة تتأرجح ما بين ستين ومئة وأربعين دولارا. أسواق استهلاكية تمتلئ بمنتجات الحليب والألبان والمياه المعدنية والمشروبات الغازية والدواجن والمواد الغذائية والفواكه والتوابل والخضراوات والأسماك والمكسرات وأنواع السجاد، وآلات البناء والاسمنت والحديد والطابوق والسيراميك والمواد الصحية، وكلها بأسعار زهيدة. هكذا ذكر زميلنا من البصرة جاسم داخل.
التقارير اليوم تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران على أبواب المليارين و500 مليون دولار. فالإيرانيون يُصدّرون للعراق يوميا ألف وخمسمئة طن من مشتقات النفط، وأيضا يُصدرون الكهرباء لبعض المحافظات العراقية، وقاموا بتأسيس الفروع المصرفية في بغداد وغيرها من المدن (راجع تصريحات القنصل العام العراقي في إيران، هيثم شفيق قاسم).
بل الأكثر أن الكتب المدرسية العراقية باتت تطبع في إيران. وأضحت المكتبات العراقية تعتمد على طباعة كتبها في إيران لوجود فوارق بيّنة في الأسعار.
فإذا كان المطلك يريد من العراقيين أن يقاطعوا هذه المنتجات فعليه أن يفتح لهم طرقا أخرى بديلة. أما أنه يدعوهم للصوم عن الأكل من مائدة الصوم فهذا يُشكّل دعوة صريحة للانتحار وتجفيف وسائل العيش.
وإذا كان صالح المطلك (أيضا) غيورا إلى هذه الدرجة فلماذا لا يُماثل الأتراك بالسلوك ذاته. فالجيش التركي يقوم بعمليات شبه دائمة في شمال العراق. وأخذ بعض السياسيين الأتراك ينادون صراحة بتوظيف اتفاقية يونيو/ حزيران العشرينية التي تمنح تركيا عشرة في المئة من نفط العراق الخام لتحقيق مكاسب سياسية.
كما أن أنقرة لديها سجل تجاري نشط مع العراق تجاوز ميزانه المليار وخمسمئة مليون دولار العام الماضي. وبالتالي فإن الدعوة لمقاطعة البضائع التركية تحمل الوجاهة ذاتها التي على أساسها تمّ التحريض على مقاطعة المنتجات الإيرانية باعتبار أن الأتراك خصوم جدّيون للعراق.
قد يكون المطلك ميسور الحال، وقادرا على شراء ما يحتاجه في الأردن أو سورية ولندن مهما كانت الأثمان بسبب الهبات التي كان البعثيون يُغدقون بها عليه لكنه يعلم أن السواد الأعظم من العراقيين لا يستطيعون فعل ما يقوم به. لذا فمن العيب أن يُزاحمهم موائدهم وهم في شهر الصيام.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ