لتسمح لنا وزيرة التنمية الاجتماعية في التحفّظ على تصريحها الأخير بخصوص تحقيق أهداف التنمية للألفية، وما تم إنجازه من «نجاحات ومعدلات مرتفعة في جميع مجالات التنمية»!
التصريحات تعبّر عن الطريقة التقليدية التي يتعاطى بها المسئول في العالم الثالث مع الرأي العام، بتقديم أرقام مكتبية على الورق، وليست حقيقية عمّا يجري على الأرض. و «التنمية» ليست وحدها، فوزارة العمل تتحدّث عن نسبة البطالة، و «التربية» عن إنجازاتها وخدماتها، ووزارة أخرى لا نريد أن نذكرها بالاسم، لئلا تنزل علينا بردٍّ ناريٍّ عن جهودها العظيمة في محاربة الغلاء!
وزيرة التنمية، مع احترامنا لشخصها وجهودها، تتحدّث عن التقرير الذي سترفعه للقيادة السياسية، عن إنجاز أغلب أهداف التنمية للألفية، وعلى رأسها القضاء على الفقر بحسب المعايير الدولية! الوزيرة تتحدّث عن القضاء على الفقر وهي لم تفرغ بعد من مهمة توزيع مبلغ الخمسين دينارا على الأسر المستحقة! فبعد أن صرفت المستحقات (المعونة) على 95 ألف أسرة بحرينية، مازالت هناك 7 آلاف أسرة خارج نطاق التغطية.
الوزيرة تتحدّث عن النجاح في القضاء على الفقر، وهي تعلم بوجود 84 صندوقا خيريا تعمل في مختلف مناطق البحرين، وتصرف مستحقات شهرية وموسمية لأكثر من عشرة آلاف أسرة. هذا غير ما يقدّمه المجتمع من معونات مباشرة للفقراء بما يقدّر بـ 10 إلى 15 في المئة ممّا تقدمه الصناديق الخيرية، وذلك من باب الصدقة وطلبا للأجر والثواب.
الوزيرة تتحدّث بلسانٍ طلقٍ عن القضاء على الفقر، وهي تعلم أن في مجتمعنا البحريني العريق هناك أسَرا متعفّفة، الله أعلم بأعدادها وحالاتها وأوضاعها، لا تذهب إلى وزارة التنمية، ولا تطرق أبواب الصناديق الخيرية. هذه الأسر التي تتعفف عن مد يدها، أجزم بأن الوزارة ليس لديها أدنى فكرة عنها وعن نسبتها من مجموع الطبقة الفقيرة التي تعيش في قاع المجتمع.
من حقّ الوزيرة أن تتحدّث عمّا تريد من «إنجازات»، في مجال القضاء على البطالة وتطوير التعليم والخدمات الصحية وحماية البيئة وتمكين المرأة... ومن حقّ من يعيش مع الناس أن يكشف هشاشة هذه الأرقام، فبعض الصفوف أصبحت تزدحم بأكثر من أربعين طالبا، وهو أمرٌ يرجعنا إلى حقبة الخمسينيات، فعن أيّ تقدّم في معايير التعليم تتحدّث الوزيرة الفاضلة؟
إنك لكي تستلم حصّتك من الدواء من صيدلية مستشفى السلمانية، عليك أن تنتظر في الطابور ساعتين كاملتين، حتى يتسلم أكثر من ثلاثمئة وخمسين مراجعا حصصهم من الدواء في تلك الكابينة التي تعتبر أكبر صيدلية بأكبر مستشفى عام. لو كنا صريحين في تقاريرنا بما فيه الكفاية، ولا نريد أن نخدع بعضنا بعضا، لقلنا أن هذه المجالات تشهد تراجعات واضحة، وهذه أولى ثمار سياسة التجنيس الأعمى الذي سيقضي على كل أمل في تحقيق التنمية الحقيقية وتحسين مستوى الحياة.
ثم إن كلّ ذلك في كفّةٍ، وفي الكفّة الأخرى الإنجازات البيئية! لا ندري أين تضع تدمير الفشوت وقضم السواحل حتى كادت تنقرض، وعمليات الدفان الذي قضى على الأحزمة البيئية الخضراء ويهدّد بالقضاء على ما تبقى من ثروةٍ سمكيةٍ خلال خمسة أعوام لا أكثر.
من حقّنا أن نحلم أو نتخيّل، ولكن ليس من حقّ أحد أن يسوّق علينا أرقاما أقرب للخيالات، أو يضلّل القيادة والرأي العام.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ