تفاعل كبير شهدته المقالات التي كتبتها مؤخرا حول الأمراض الإدارية المبتلين بها وأنواعها ، فهناك الكثير من التعليقات والملاحظات الإلكترونية، تفاعل القرّاء مع ما هو مكتوب يدل بالفعل بأن هناك عددا من المشاكل والأمراض الإدارية والتي تحتاج منّا لوقفات، وتحتاج منّا لصرخات لأهداف العلاج وتحتاج منّا للبحث لها عن دواء يُشافيها ويُعافيها قبل ما تحتاج لئن تدخل غرفة الانعاش أو وحدة العناية المركّزة.
وحدة العناية المركّزة لن تكون لديها القدرة على استيعاب وامتصاص كلّ الأمراض الإدارية التي نعاني ونشكو منها، وبدورها تحتاج منّا أيضا إلى عناية بها، ولعلّنا من خلال التوعية والتثقيف نستطيع أنْ نضع يدنا على الوجع والألم لعلاجه، لا من أجل إحداث ألم ووجع آخر نحن في غنى تام منه.
أحد المتقاعدين اتصل يشكو بدوره من أحد أبرز الأمراض الإدارية التي تُعاني منها أكثر الوزارات الحكومية وربما على رأسها الجهة التي يتعامل معها المتقاعدون بشكل مباشر، المتقاعد المتصل يشكو بدوره من سوء التعامل مع هذه الشريحة ( المتقاعدين) ويتعامل معهم كأنهم -لا سمح الله- والحشيمة إليهم جميعهم متسوّلون يتسوّلون على الموظفين، بعد أن أعطى المتقاعد زهرة شبابه من أجل نماء وازدهار هذا الوطن، اتصل شاكيا من تأخر استلام الراتب الأخير قبل شهر رمضان بالرغم من أنّ هناك حاجة ماسة لذلك لشراء حاجيات الشهر الكريم فما كان منه إلاّ واتصل إلى هيئة صندوق التقاعد وظل الهاتف يرن بلا جواب من أحد الموظفين أو الموظفات وكأنّ المكان مهجور فاضطر إلى أنْ يتصل بالمسئول مباشرة، ومن سوء الصدف بأن المسئول كان مزاجه في ذلك اليوم غير طبيعي ومعصّب مما حدا به أنْ أشبعه همّا على همّه، وعندما شكا له سوء الحال وتأخر نزول الراتب التقاعدي، وهنا المرض الإداري قال إليه ماذا تريد أن أفعل إليكَ ؟ اصبر والرواتب ستنزل بعد أيام، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما تنكر بأن حقيقة الرواتب التقاعدية تنزل على التاريخ 21 من كل شهر، وكأنه يعيش في برج عاجٍ ؟ وبدأ المكالمة ونهاها هل تتصل من أجل إحداث مشاكل وتوريطي فيها ؟ رغم أنّ السبب الحقيقي من الاتصال الاستفسار عن موعد نزول الرواتب التي بالكاد تكفي لأسبوع واحد على الأقل ولفت نظر المسئولين والعمل على البحث عن أسباب التأخر وبالتالي إعادة النظر في الموضوع؛ لأن هناك من ينتظر والانتظار لا يعرف الصبر والحاجة أيضا لا تعرف الصبر.
لا نعرف أيّ نوع من المسئولين هذا، ولو أنه عرف بأنه مصاب بمرض إداري لكان الواجب عليه أن يتابع حالته إلى أنْ يتشافى منها، حتى لا تنتقل العدوى إلى ما هو معه في الحقل نفسه، أي مسئول هذا وهو لا يعرف أبجديات عمله من جهة ولا يعرف الذوق وحسن التصرف، بل لا نعرف أيّ صنف من البشر هو وهو لا يعرف كيف يتصرّف مع إحدى المكالمات الهاتفية أو إحدى المعاملات البسيطة، والأدهى والأمر عندما ينظر إلى الشريحة التي من أجلهم قد حصل على الترقية أو الوظيفة والراتب الذي يحصل عليه نهاية كلّ شهر المفترض أن يأتي نتيجة الخدمات التي يقدّمها لهؤلاء المتقاعدين لا الإساءة إليهم أو زيادة هم على همهم.
لهذا المسئول ولكلّ الموظفين نحتاج نذكرهم بأن المتقاعدين وهم الزبائن الثقال الذين لا نودّ التعامل معهم ولا نصبر على الرد على استفساراتهم فضلا عن تجاهلهم وتجاهل همومهم هم الزبائن الرئيسيون لعملهم، ولولا وجود متقاعدين أصلا لما حصلوا على مهنة يترزقون منها ويعيلون على أولادهم منها.
هذه الثقافة ينبغي عدم إغفالها أو الصدّ عنها؛ لأننا نقترب من الوضع الكارثي إذا ذهبنا بهذا الاتجاه، اليوم بعض النوّاب وبعض المسئولين الكبار والذين هم في مناصب رسمية رفيعة وأصحاب قرار نسوا هذه الشريحة، ولكنهم لم ينسوا أنْ يبحثوا لهم عن مستقبل تقاعدي أفضل من غيرهم، ونسوا بأن هناك أكواما من المتقاعدين يحتاجون إلى النظر في قضاياهم وأمورهم المعيشية وبعد أنْ أعطوا من أعطوا من جهودهم وأعمارهم.
فلا يستحقوا اليوم أنْ نتنكر لهم أو نتجاهل مطالبهم وهمومهم، ولا ننسى بأننا جميعنا سنكون في يوم من الأيام في حكمهم، وإذا لم نشعر بمعاناتهم وهمومهم اليوم غدا لن يفهمنا ولن يقدرنا أحد فكما تدين تدان.
مسألة الوعي بهذه الشريحة وغيرها من الشرائح المهملة جدا مهمّة، ولكن هناك قناعة غير واقعية وينبغي أنْ تصرع وأن تختفي حتى من الخيال، ماذا يريد المتقاعد منّا اليوم ؟ وهو جالس في بيته وراتبه التقاعدي يصل إليه بلا كد ولا تعب ؟ ونحن هنا نعمل ونكدح ومن المزعج أنْ نرد على كل اتصالاتهم أو الإجابة عن استفساراتهم، علينا أنْ نطهر الجهات الرسمية من أصحاب القناعات المريضة، حتى نصفو من الأمراض الإدارية التي تكاد تفتك بنا.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ