أعترض مراقبون على تصريحات وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي التي قالت ان البحرين حققت الأهداف التنموية للألفية، مشيرين الى أعداد الأسر التي تلقت مساعدات مع بداية شهر رمضان والتي وصل عددها إلى أكثر من 10 آلاف أسرة، وهذا يؤكد ان البحرين تعاني من الفقر، إضافة الى عدم تحقيق أهداف الألفية الأخرى التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية المستدامة. وليس أدل على عدم القضاء على الفقر ما يشاهده المواطن من مظاهر تسول.
واستعرض أحد المراقبين صورتين للتسول قائلا: دقق النظر جيدا... لا تلق ببصرك على غير هاتين الصورتين، ضع عينا على الصورة اليمنى، والأخرى على الصورة اليسرى! فهل تلحظ ثمة فرقا بين المشهدين؟ أليس المشهد هو نفسه؟ ولكن هل تعلم أن المسافة بين الصورتين نحو نصف قرن من الزمان! الصورة من اليمين لامرأة تطلب العون والمساعدة وفي حجرها طفلها في العام 1961 في العاصمة (المنامة)، والصورة الأخرى، أيضا لامرأة تطلب العون وفي حجرها طفلها، وهي أيضا في العاصمة، ولكن في العام 2008.
الوسط- مالك عبدالله
مملكة البحرين دولة نفطية كسائر دول النفط الأخرى تتأثر بارتفاع أسعار النفط هبوطا وصعودا، غير أن شعوب الدول النفطية تنتعش جيوبهم وحياتهم مع الطفرات النفطية وارتفاع أسعار النفط باستثناء شعب واحد يمكن للجميع أن يشير إليه بالبنان إنها بلا شك تلك الدولة التي يشهد مجلس نوابها خلافا حادا بين الحكومة وأي نائب طالب بمئة فلس زيادة في رواتب الموظفين أو المتقاعدين، بينما تشهد الدول النفطية الأخرى زيادة وصلت إلى 70 في المئة دون أدنى إعلان أو ضجيج كبير يسبق منح المواطن 100 فلس لا تكفيه إلا لشراء الخبز الذي تهدد المخابز برفع سعره بين الفينة والأخرى.
البحرين بلد نفطي ولكن شعب البحرين لم يكن يوما نفطيا، لأن ارتفاع أسعار النفط يكون لجيوب الكبار أما الناس فنصيبهم ارتفاع الأسعار وشح الأراضي وتدمير خليج توبلي والثروة السمكية والقضاء على مهنة الزراعة، وما ينعكس فقط على شعب البحرين وفقرائه هو تراجع أسعار النفط في حين يكون كل مطلب معللا بهبوط أسعار النفط، من هنا فإن شعب البحرين لا يعرف من النفط إلا أسعاره.
وكان تقرير الحساب الختامي للبحرين للسنة المالية 2007 كشف عن ارتفاع دخل الموازنة بنسبة 23 في المئة بسبب ارتفاع أسعار النفط وبقائها مرتفعة طوال العام الماضي. في المقابل حدث تراجع قدره 11 في المئة للمصروفات بسبب عدم القدرة على صرف كل مخصصات المشروعات الإنشائية. وعليه تم تحويل العجز المتوقع وقدره 372 مليون دينار إلى فائض حقيقي بحجم 219 مليون دينار (الدولار يعادل 0.38 دينار بحريني).
غير أن هذا الارتفاع الذي استمر حتى العام 2008 لم ينل منها المواطنون إلا فتات الفتات وامتلأت منه بعض الجيوب، وأمام كل هذا الدخل الكبير للعوائد النفطية بقي جيب المواطن خاليا، وراح يبحث عن جواب للفقر الذي يعانيه فجاءه الجواب أن أحد أكبر منابع الروبيان وهو خليج توبلي يموت ببطء دون أدنى تدخل كما أن البحر يدفن دون أن تكون له أي فوائد مادية له بل على العكس من ذلك هو الخاسر حاضرا ومستقبلا من وراء ذلك، ليدير وجهه إلى جانب آخر عله يجد الارتفاع في دخل الموازنة انعكس على الصحة فيجد أن عليه أن ينتظر 6 شهور من أجل الدخول على الطبيب هذا إن وصل إلى الطبيب وبعد أن يصل إلى الطبيب هذا إذ لم يتفاقم عليه المرض وهو ينتظر الموعد فعليه الانتظار ليحصل على سرير في المستشفى المركزي الوحيد.
وانتظر المواطن طويلا عله يرى تلك الزيادة في التعليم غير أنه تفاجأ ببداية متعثرة فلا المدارس جاهزة أو مصانة فالأطفال ظلوا في الحر دون كهرباء، وبعضهم ظل بلا صفوف ومن دخل الصف كان في سوق إذ ان عدد الطلبة وصل إلى الأربعين، ولم يكلف المواطن نفسه العناء والنظر باتجاه الكهرباء لأنها تعطيه الجواب في كل فصل صيف بوعود الانقطاع حتى وصلت إلى أن تكون مدفع الإفطار فما ان يحين وقت الإفطار حتى أعلنت الكهرباء أنها صائمة عن فقراء البحرين لتبقى تضيء الفلل الفاخرة وتبقى فلل الجهاز المركز للمعلومات الآيلة للسقوط مظلمة حارة، بحرارة ارتفاع أسعار النفط.
وأمام كل ذلك تفاجأ المواطنون بتصريح لوزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي قالت فيه انه سيرفع قريبا لجلالة الملك تقرير مملكة البحرين للأمم المتحدة عن تقدم سير الأهداف التنموية للألفية في الفترة 2005 ـ 2007 الذي يجسد إنجازات البحرين في إطار الثمانية الأهداف التنموية للألفية ويعكس صورة متكاملة لجهود المملكة وما تم إحرازه من نجاحات ومعدلات مرتفعة في جميع مجالات التنمية وعلى رأسها القضاء على الفقر بحسب المعايير الدولية عبر تنمية الأسر محدودة الدخل والقضاء على البطالة وأهداف تطوير التعليم وتطوير الخدمات الصحية وحماية البيئة وتمكين المرأة وتنمية الشراكة الدولية.
وأشارت البلوشي إلى انه تم إعداد التقرير بناء على قرار مجلس الوزراء بتكليف وزارة التنمية الاجتماعية ، بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعداد تقرير مملكة البحرين عن تحقيق الأهداف الألفية التنموية، وذلك بالتنسيق مع الوزارات والأجهزة المعنية وهي وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، وزارة الأشغال، وزارة الإسكان، وزارة المالية والمجلس الأعلى للمرأة، الجهاز المركزي للمعلومات، المؤسسة العامة للشباب والرياضة والهيئة العامة لحماية الثروة الفطرية، إذ تم تشكيل فريق وطني من كافة الجهات المذكورة للإشراف على إعداد التقرير كما تم تشكيل ثمانية فرق عمل من الخبراء الدوليين والوطنيين ولأول مرة بمشاركة واسعة من جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لإعداد التقرير، مشيرة إلى أن هذا التقرير يتضمن قاعدة بيانات دقيقة وفق المؤشرات التي تم تحديدها من قبل الأمم المتحدة لقياس التقدم المحرز في كل المجالات.
وأوضحت الوزيرة أن الفضل في ذلك يعود إلى حكمة القيادة بالمملكة والتي هيأت مناخا من الاستقرار السياسي والاجتماعي ساعد على دفع مسيرة التنمية ما ساهم في تحقيق إنجازات ملموسة في كافة الأهداف ونوهت بأن التقرير سيساهم في دعم التخطيط لمستقبل التنمية الشاملة في البحرين.
كما صرحت البلوشي بأن الوزارة ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي سيعقدان مؤتمرا صحافيا خلال الفترة المقبلة لإطلاق التقرير وعرضه بشكل مفصل.
يشار إلى أن تقرير الأهداف التنموية للألفية، يعد المؤشر الحقيقي المتوفر عالميا لقياس الجهود المبذولة والتقدم الملموس الذي تحرزه الدول لبلوغ الأهداف التنموية التي تبناها إعلان الأمم المتحدة عن الألفية الجديدة ويضم ثمانية من الأهداف المتعلقة بالعمل والبطالة والفقر المدقع والجوع وتعميم التعليم الابتدائي وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ونسبة وفيات الأطفال دون الخامسة والقضاء على الأمراض الوبائية التقليدية كالملاريا والحصبة بالإضافة إلى حماية والحفاظ على البيئة، إلى جانب مدي الاستفادة من التعاون الدولي والشراكة في مجالات التنمية المختلفة.
ويعد إعلان المملكة إنجاز غالبية أهداف التنمية للألفية وعلى رأسها هدف القضاء على الفقر بحسب المعايير الدولية بمثابة محطة رئيسية في مسار تنمية شاملة متوازنة يتوافق فيها الشأن الاقتصادي مع الاجتماعي، وينمو فيها دخل الفرد وتنمو فيها خياراته لتحقيق تنمية إنسانية مستدامة.
«التقدمي»: مشكلة الفقر في البحرين تتفاقم
قال الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن:أيا كان فحوى تقرير وزارة التنمية الاجتماعية فإن واقع الحال يشير إلى أن مشكلة الفقر في البحرين قائمة، وهي تتفاقم في أوجه عديدة، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية خاصة والاستهلاكية عامة وكذلك في أسعار السكن والعقار، مشيرا إلى أن «ذلك يجعل الفقر أكبر اتساعا مما كانت عليه بالمعايير النسبية فبعض من كانوا قبل وقت قليل من الطبقة الوسطى أصبحوا من الفئة الفقيرة بسبب هذا الارتفاع، كما أن الأجور لم تشهد ارتفاع جديا حتى نرى شيئا جديا»، مؤكدا أنه «وبدل الزيادة في الرواتب تم التحايل على الأمر بصرف علاوة الغلاء التي تم إذلال المواطنين فيها أيما إذلال».
وطالب مدن بـ «عدم الانخداع بالأرقام المضلة ويجب أن نبحث عن الأمور كما يعيشها الناس، والمؤشرات الكمية لا تعكس الواقع الحقيقي الموجود، وجميع القضايا تعبر عن سلة من الإشكالات الكبيرة»، ولفت إلى أن «البيئة تعاني من انحسار البقعة الخضراء وحتى الحزام الأخضر المحدود يتعرض للتدمير، يضاف إلى ذلك الدفان عشوائي يدمر البيئة إذ انه دفان من دون أي دراسات»، وأعتبر أن «ما يقال عن البيئة ينطبق على الصحة والتعليم إذ انه وبسبب التجنيس الواسع واستقدام العمالة الأجنبية لم تعد الخدمات الصحية بالكفاءة التي كانت عليه وهذا ينطبق على التعليم».
«الوفاق»: يجب أن تكون
البيانات الحكومية صادقة
من جهته ذكر عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية النائب محمد جميل الجمري أن «من المهم جدا أن تكون البيانات الحكومية متمتعة بكامل الصدقية وأن لا يشوبها شك، ومن المؤسف اننا غالبا ما نقف على بعض هذه البيانات ويتمالكنا شك في مدى صدقيتها»، وأضاف «عشنا تجربة وما زلنا مع البيانات التي تخص المواطنين ودخلهم من خلال معونة الغلاء التي تم اعتمادها لمن يقل دخله عن 1500 دينار»، ونوه إلى أن «الحكومة في تخبط واضح من حيث اعتماد عدد الأسر البحرينية وكذلك الذين يستحقون العلاوة، وعدم توفر معلومات عن أصحاب السجلات التجارية، هذا مثال واضح عن دقة المعلومات وتوفرها»، وأردف «ومن هنا يحق لنا أن نشك كثيرا في البيانات الحكومية بخصوص الفقر والتعليم وغير ذلك، فما نخشاه هو أن يكون التقرير قد ادعى القضاء على الفقر وتحقيق أهداف التنمية للألفية».
وتابع الجمري «وبخصوص موضوع البيئة أتمنى أن يكون التقرير قد ألقى الضوء على التدمير الذي طال خليج توبلي وظاهرة نفوق الأسماك، وكذلك الآثار التي تركتها أعمال الردم على الشواطئ والمناطق الساحلية، وأي تقرير أو بيانات لا تشير صراحة لمثل هذه الإخفاقات ستكون بيانات عديمة القيمة للمتابعين والمهتمين بالشأن البيئي»، وأكد أن «هناك مشكلة كبيرة وحقيقية بخصوص متدني الأجر، وهؤلاء بلا شك يقبعون دون خط الفقر الذي قدر بـ 357 دينار شهريا للعائلة المكونة من ستة أفراد وهذه دراسة قديمة وبلا شك فإن خط الفقر الآن سيكون مختلفا بعدما طرأ من ارتفاع كبير في معدلات التضخم»، وبين أن «أكثر ما نعانيه في عملنا هو غياب المعلومات والشفافية بشأن الكثير من الأمور سواء كانت المعيشية أو الاقتصادية أو البيئية وغيرها، وهذا يمثل عائقا أمام أي جهد تشريعي أو رقابي من قبل النواب، وعادة ما نفاجأ بالمعلومات التي يدلي بها الوزراء في مداخلاتهم في مجلس النواب أو للصحافة، إذ أن الكثير من هذه المعلومات لايتم تزويد النواب بها».
«حقوق الإنسان»:عدد الأسر التي تتلقى مساعدات تزداد فأي تقدم نتحدث عنه؟
إلى ذلك أوضح الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي أن «الدليل الأوضح الذي نأخذ به على الفقر ووجوده وعدم تغيره هو عدد الآسر التي تتسلم مساعدات شهرية من وزارة التنمية الاجتماعية والبالغ عددها 10 آلاف أسرة، فإذا كان هناك تقدم فلماذا لم يتغير العدد؟»، وقال ان «هذا التقرير يجب أن تزود به مؤسسات المجتمع المدني ويظهر للعيان لا أن يكون بعيدا وغائبا عن تلك المؤسسات المعنية بصورة مباشرة به»، وذكر أن «البحرين لم تصل إلى القضاء على الفقر والأدلة واضحة فما عليك سوى النظر إلى القرى ونسبة العاطلين ومستوى المعيشة، وأين التقدم وعشرات الآلاف كانوا مستحقين لعلاوة الغلاء».
وأضاف الدرازي «أما بالنسبة الى التعليم فما حصل خلال الأيام الأولى لبدء العام الدراسي هي خير دليل على الضغط الكبير، فهناك تكدس لنحو 40 طالبا أو طالبة في الصف بالإضافة إلى وجود صفوف خشبية، وبقاء بعض الطلبة والطالبات في الحر الشديد بسبب عدم وجود الكهرباء وهذه دلائل على اننا لم نصل إلى مرحلة تقدم»، وأشار إلى أن «البيئة وما يجري عليها فحدث ولا حرج فبداية من خليج توبلي والبيئة البحرية التي تدمر بالدفان، وفي الجانب الصحي لدينا مستشفى مركزي وحيد والضغط يزداد عليه وهناك تكدس في المرضى والمواعيد تصل إلى 6 شهور ونسبة عدد الأطباء إلى المرضى قليل جدا وأي تقدم تتحدث عنه الوزارة لا أدري».
«وعد»: السنوات الماضية
شهدت تدميرا هائلا للبيئة
من جانب آخر بين الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف أن «إعطاء رأي نهائي بشأن التقرير يحتاج إلى رؤية الأرقام ولكن فيما يتعلق بالبيئة فإن ذلك لا يحتاج إلى انتظار أرقام، إذ ان ما تم تدميره خلال الثماني سنوات الماضية من البيئة، أكثر بكثير مما تم تدميره منذ الاستقلال وحتى العام 2001»، وذكر أن «ما تم دفنه كان كبيرا جدا وتشهد على ذلك قطع أرزاق العاملين في البحر وتدمير خليج توبلي وتدمير الشواطئ، يضاف إليها محاولات لسلب الفشوت»، وأشار إلى أن «هناك أمورا لو حصل فيها أي تقدم فإنه ليس بسبب السياسة الحكومية بل لوجود طفرة نفطية كبيرة أدت لرفع أجور القطاع الحكومي العام الماضي ودفع علاوة الغلاء ولا يمكن للحكومة أن تفتخر بها»، وتساءل «هل رفعت إنتاجية العامل البحريني؟، وهل خففنا البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي؟، عندها نتحدث عن سياسات حكومية بعيدة المدى».
وشدد شريف على أن «المواطنين الذين يلجأون إلى مستشفيات القطاع الخاص في ازدياد مطرد، وكذلك بالنسبة الى التعليم الأساسي لأن المدارس الحكومية أصبحت لا تلبي طموحات المواطنين»، وعبر عن اعتقاد أن»نسبة البطالة قلت لأننا في فترة نمو وهو ما عليه الحال في أي بلد ينمو وذلك بسبب الطفرة النفطية وهذا أدى إلى استيعاب عدد كبير من العاطلين، فضلا عن نشاط وزارة العمل الذي كان أفضل من السابق، ولكن برنامج رفع الأجور لم يستفد منها العاملين شيء لأن الزيادة أكلتها الزيادة في كلفة المعيشة»، مؤكدا أنه «لولا علاوة الغلاء لكان الوضع أسوأ مما كان عليه قبل عامين والغلاء مستمر والعام المقبل لن تكفي الخمسين دينارا».
واستدرك شريف «وأسعار النفط ترفع الفقر بصورة مؤقتة ولكن على المدى البعيد لا يرفع الفقر سوى رفع إنتاجية العامل البحريني وهذا لن يحدث بوجود العمالة الرخيصة، وكان ذلك من أهداف تنظيم سوق العمل غير وهو رفع الإنتاجية ولكنها لم تنفد»، واختتم «وبقاء الكثير من الناس فوق الفقر ليست دائمة لأنها ليست ناتجة من سياسات حكومية ناجحة ورواتب مرتفعة بل من مساعدات حكومية معتمدة على ارتفاع أسعار النفط».
قبيل العام 2000 كانت دول العالم تبحث في قضاياها المشتركة بعد مرور 10 سنوات من انتهاء الحرب الباردة، وكانت الأجواء آنذاك مفعمة بالتفاؤل بأن هناك حلولا لعدد من المعضلات التي تواجه الإنسانية، وأن هذه المعضلات يمكن معالجتها مع تكوين إجماع عالمي عليها. الشهور والأيام والساعات كانت تتسارع نحو العام 2000، وهو آخر عام في الألفية الثانية (2000 سنة على ميلاد المسيح عليه السلام)... وفي العام 2001 بدأت الألفية الثالثة.
التحدّي أمام الأمم كان في الاتفاق على تشخيص أهم التحديات لكي لاتكون الألفية الثالثة بداية النهاية للإنسانية. مجموعات من الدول بدأت تتحاور فيما بينها، والتأثيرات السياسية والاقتصادية والثقافية لعبت دورها في التوجّه نحو تحديد أجندة رئيسية لمطلع الألفية الثالثة.
وهذا ما تكلل فعلا في سبتمبر / أيلول 2000، عندما اجتمع قادة العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ووقع قادة 189 بلدا على «الأهداف التنموية للألفية»، بهدف تحقيقها في 2015، وهي تشمل الأهداف الآتية:
1- القضاء على الفقر الشديد والجوع، ويتمثل في خفض الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم إلى النصف عند مقارنة النسبة بين 2000 و 2015، بالإضافة إلى خفض نسبة السكّان الذين يعانون من الجوع إلى النصف.
2- نشر التعليم الأساسي، ويتمثل في ضمان أنّ جميع الفتيان والفتيات ينتظمون في دورة كاملة من التعليم الابتدائي.
3- تمكين المرأة وتحقيق المساواة الجندرية، ويشمل أيضا إزالة التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي بحلول العام 2005 وعلى جميع المستويات بحلول العام 2015.
4- تقليل عدد الأموات عند الولادة، ويتمثل في خفض معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين.
5- تحسين الصحة أثناء الحمل، ويتمثل في خفض الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين، وخفض نسبة وفيات الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع.
6- مكافحة الإيدز والأمراض الخطيرة، ويتمثل البدء بتقليص مدى انتشار فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز، وكذلك تقليص مدى انتشار الملاريا وغيرها من الأمراض الخطيرة.
7- المحافظة على البيئة، ويتمثل في إدماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات والبرامج الوطنية؛ ووقف اضمحلال الموارد البيئية، تخفيض عدد الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب المأمونة نصف النسبة عند مقارنة العام 2000 بالعام 2015، وكذلك تحقيق تحسن كبير في حياة 100 مليون شخص على الأقل من سكّان الأحياء الفقيرة بحلول العام 2020.
8- تطور المشاركة من أجل التنمية، ويشمل هذا الهدف عدّة أهداف فرعية متداخلة، وهي:
* مواصلة تطوير نظام تجاري ومالي حر قائم على قواعد تخلو من المفاجآت والتمييز، ويشمل التزاما بالحكم الصالح، والتنمية والحد من الفقر، وطنيا ودوليا.
* معالجة الاحتياجات الخاصة لأقل البلدان نموا، وهذا يشمل التعرفات الجمركية ونظام الحصص لصادراتها؛ تخفيف ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون؛ إلغاء الديون الثنائية الرسمية؛ وسخاء أكثر للمساعدة الإنمائية الرسمية للبلدان التي أعلنت التزامها الحد من الفقر.
* تلبية الاحتياجات الخاصة للدول النامية المعزولة عن البحار، وتلك البلدان التي تتكون من جزر صغيرة.
* المعالجة الشاملة لمشكلات ديون البلدان النامية من خلال تدابير وطنية ودولية لتسهيل تحمل ديونها على المدى الطويل.
* تنمية الفرص الكريمة لتطوير القدرات الإنتاجية للشباب.
* التعاون مع شركات المستحضرات الصيدلانية، وتوفير فرص الحصول على الأدوية الأساسية بأسعار ميسورة في البلدان النامية.
* التعاون مع القطاع الخاص لإتاحة فوائد التكنولوجيات الجديدة، ولاسيما تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بهدف تطوير المجتمع المعرفي.
إن الأرقام والصور لا تعكس بأي حال من الأحوال تقدما في تحقيق أهداف الألفية الثمانية وعلى رأسها الفقر، فلكي ترى الفقر ما عليك سوى زيارة القرى والأحياء دون أي رفيق أو توجه سياسي سيكون جوابك أن أهداف الألفية ومنها الفقر تذهب للأعلى ونحن ما نزال محلك سر. أما بلغة الأرقام الرسمية على الأقل فإن الأسر المسجلة على قائمة وزارة التنمية الاجتماعية فاق عددها الـ10 آلاف أسرة، وهذا ما أعلنت عنه وزير التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي مع بداية شهر رمضان من توزيع منحة الشهر الكريم على 10 آلاف و265 أسرة و5458 فردا من ذوي الاحتياجات الخاصة كما ستصرف المساعدات الاجتماعية ومكافأة المعوقين لشهر سبتمبر/ أيلول في مننصف الشهر المذكور وذلك بقيمة إجمالية بلغت مليونا و235 ألفا و450 دينارا.
وأوضحت الوزيرة أن عدد الأسر المستفيدة من نظام المساعدات الاجتماعية والتي سوف تصرف لها منحة شهر رمضان المبارك قد بلغت 10 آلاف و265 أسرة منها 4726 مسنا، فضلا عن عشرات الأسر الموجودة على قائمة الانتظار، يضاف إليها الأسر التي تتلقى مساعدات من الصناديق الخيرية فقط دون وزارة التنمية الاجتماعية.
وما يؤكد أن البحرين لم تحققي شيئا في مجال الفقر هو الدراسة التي أعدها رئيس صندوق جرداب الخيري الباحث حسين مدن والتي أوضحت أن الصناديق الخيرية والبالغ عددها 80 صندوقا خيريا تخدم 9 آلاف أسرة فقيرة بشكل منتظم شهريا، تتوازى خدماتها مع خدمات وزارة التنمية الاجتماعية التي تقدم المساعدة لأكثر من 10 آلاف أسرة. كما أوضحت الدراسة التي شملت مسحا وصفيا لـ 43 صندوقا خيريا أن معدل عدد الأسر التي يخدمها كل صندوق هو 111 أسرة، وتخدم الصناديق الـ 80 نحو 9000 أسرة محتاجة شهريا، إذ تأتي مساعدة الأسر في المرتبة الأولى ثم التعليم ثم العلاج والزواج. وهذه الأرقام ازدادت عن السابق لأنه ارتفاع الأسعار اسقط الكثير من الطبقة الوسطى ووضعهم في الطبقة الفقيرة.
وأما إذا أردنا الصورة فما علينا سوى الانتظار حتى سقوط الأمطار لنرى كم بيتا سقط سقفه على أهله؟، وهذا ما عبر عنه تصريح رئيس المجلس البلدي بالمحافظة الشمالية يوسف البوري في الشتاء الماضي إذ عبر عن خشيته على أكثر من 10 آلاف أسرة جراء سقوط الأمطار، مشيرا إلى أن «هناك مايقارب من 3100 منزل بحاجة إلى تركيب عوازل للأمطار يضاف إليها 2445 منزلا بحاجة إلى الترميم، وأكثر من 3500 منزل آيل للسقوط، وكل الأسر التي تعيش في هذه المنازل مهددة بسبب الأمطار»، منوها إلى أن «هؤلاء جميعا بحاجة إلى المساعدة العاجلة من أجل تقليل الأضرار التي ستلحق بهم جراء تساقط الأمطار».
وأشار إلى أن «تساقط الأمطار لثلث ساعة فقط كشف المستور في الطرقات، إذ تجمعت المياه في الكثير منها حتى أن بعضها لايزال حديثا»، وأكد البوري أن «مشهد العام الماضي لايزال في الذاكرة، إذ زرنا بعض المنازل الغارقة بسبب تساقط الأمطار، ولا نريد أن تتكرر هذه المشاهد».
العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ