وجدوا جسده الصغير ملقى خلف باب حافلة روضته، وكأنما أراد أن يوصل رسالة لوالديه بأنه حاول أن يعود لحضنهما دون جدوى ورسالة أخرى لمعلمته بأنه أراد أن يلحق بزملائه لعيش أول يوم دراسي له على مقعد ملون ليتعلم الأعداد والألوان وأسماء الحيوانات، حاملا على ظهره حقيبته الصغيرة. أربع ساعات تلك التي قضاها «فقيد حافلة الروضة سيدجعفر سيدعيسى مهدي العبار (4 سنوات)» خلف ذلك الباب، لتصهر حرارة الشمس كل أعضائه ويمدد كملاك صغير في غرفة العناية القصوى فينزف من كل مكان ويغيّبه الموت بعد يومين لا يعلم سوى الله ما كان يدور في مخيلته خلالها، هل العودة لحضن أمه أو اللحاق بركب زملائه أم التخلص من كل هذا الألم والصعود إلى الله؟ عائلته روت يوم أمس (الأربعاء) خلال ربع ساعة، مشوار أربع سنوات وهو عمر ابنها، رافضة القصاص من أي طرف ليقينها بأن طفلها أمانة وعادت لصاحبها.
الوسط - زينب التاجر
اعتاد أن يكون ملازما لوالده على رغم سنه الصغير، طفل أسمر اللون جميل الملامح، كثيرا ما طرح أسئلة الطفولة على والديه وجدة وأقربائه والتي غالبا لا جواب لها... ماذا تفعلون ولماذا وكيف تفعلون؟، بيد أنه لم يجد جوابا لسؤاله «لما أغلق باب حافلته»!
بدموع ألم الفراق والتسليم بقضاء الله وقدره فتحت عائلة الطفل سيدجعفر سيدعيسى العبار قلبها لـ «الوسط» أمس (الأربعاء) لتروي خلال ربع ساعة مشوار أربع سنوات وهو عمر ابنها الذي راح قربانا ليعي كل من يعتلى مقعدا مسئولية موقعه، ووجهت العائلة شكرها إلى جلالة الملك ورئيس الوزراء وكل من نعى فقيدها، رافضة القصاص من أي طرف ليقينها بأن طفلها أمانة وعادت لصاحبها.
سيدجعفر توسط إخوته مريم ومهدي، لكن لم تشفع له سنواته الأربع أمام سطوة هجير تلك الشمس خلال أربع ساعات قضاها في حافلة مقفلة الأبواب، التي لم تفتح إلا لتستقبل جسدا صغيرا بريئا ممددا لا حول له ولا قوة طهت حرارة الشمس جل أعضاءه وكأنها تستغل بلا رحمة فرصة وجوده وحيدا غير قادر أن يوصل صوته لوالديه ليعود لحضنهما أو لمعلمته وليلحق بركب زملائه ليجلس على مقعده الملون وليتعلم الأعداد والألوان وأسماء الحيوانات.
غرفة واحدة ستشهد
على مستقبل بلا سيدجعفر
حقيبته الصغيرة وملابسه وأوراقه ما زالت كما هي في غرفة تشاركها مع إخوته ووالديه في منزل عائلته في المنامة، غرفة تحمل جميع ذكرياته صوره وألعابه، ضحكاته ومشاكساته، وستضل تلك الذكريات حبيسة تلك الجدران الأربعة التي ستؤرخ بعد موته كوابيس والديه.
عائلته آثرت فتح قلبها لـ «الوسط» لتسترجع ذكريات ذلك الطفل الصغير الذي اعتاد مغادرة تلك الغرفة وقضاء وقته مع والده أو جده، لتسقط دمعة والده التي أعلنت أن الرجولة قد تنحني أمام القدر في الوقت الذي تمردت هي الأخرى دموع والدته على ألم الفراق وآثرت أن تكون دموعها حبيسة جفنيها خوفا من الاعتراض على قضاء الله وقدره.
وبتنهيدة يعتصرها الألم، قالت العائلة إن الساعة تجاوزت الثانية عشرة ولم يعد جعفر، في الوقت الذي كان منتظرا سماع صوت حافلته... رن الهاتف ليزف لهم خبر نقله بحقيبته الصغيرة إلى المستشفى، وعلى عجل كانوا معه ليروه كملاك صغير أنهكه الجوع والعطش والخوف من الوحدة، ولم تكن حرارة الشمس أقل رحمة عليه لتطهو كليتيه وقلبه الصغير الذي هجس قسوة الدنيا في لحظاته الأخيرة.
خلال يومين فارق الطفل البريء الدنيا، غائبا عن الوعي لا علم له بمكان وجوده، هل هو على مقعده الملون أم في حضن والديه أم على سرير لطخ بدمه بعد أن نزف حتى الموت أمام مرأى من والديه ليستسلم أخيرا ثم تفتح له السماء أبوابها بعد أن أقفلت أبواب حافلته.
ذاكرة الطفل
غيّب الموت يوم الخميس الماضي الطفل سيدجعفر (4 سنوات) الذي أدخل إلى قسم العناية القصوى بمجمع السلمانية الطبي أخيرا وذلك بعد أن ترك وحيدا داخل حافلة لنقل الطلاب قرابة الأربع ساعات.
وكان سائق الحافلة البحريني قد عثر على الطفل عند نحو الساعة الـ 12 ظهرا عندما عاد لينقل الطلاب من الروضة التي كان قد أقلهم إليها صباحا والتي تقع في منطقة جدحفص فهرع به إلى مركز البلاد القديم الصحي الذي استدعى الإسعاف لنقله إلى المستشفى. وبحسب ما توافر من معلومات فإن الطفل كان قد غفا داخل الحافلة بعد أن استقلته من المنامة برفقة زملائه ولم يلاحظ سائق الحافلة أو المعلمة المرافقة أن الطفل كان لايزال نائما عندما نزل الأطفال من الحافلة. وكان الطفل على ما يبدو قد استيقظ في وقت لاحق بعدما تركه سائق الحافلة وأصيب بحالة من الهلع والبكاء الشديد قبل أن يغمى عليه.
وفي تطور سريع وجّه وزير التربية والتعليم ماجد علي النعيمي إلى تشكيل لجنة تحقيق لتحديد مسئولية الروضة عن الإهمال الذي راح ضحيته طفل و ذلك وفقا للأنظمة والقوانين المعتمدة وبناء على التقرير الذي رفعته مديرة إدارة رياض الأطفال بشأن الحادث صفية البحارنة.
وقامت لجنة التحقيق بتوجيه الدعوة إلى كل الأطراف المعنية بالقضية لسماع الأقوال وتحديد المسئولية، وباشرت عملها، وبين تقرير اللجنة أن سبب نسيان الطفل المذكور يعود إلى الإهمال الذي تشترك فيه عدة أطراف؛ ما أدى إلى وفاة الطفل، وهو ما يشكل جريمة وفقا لأحكام المادة 432 من قانون العقوبات، ويوجب تحويل الموضوع إلى النيابة العامة، ووقف اتخاذ الإجراءات الإدارية من قبل الوزارة مؤقتا، إلى أن يصدر قرار النيابة أو حكم المحكمة المختصة.
انتهت لجنة التحقيق المكلّفة بالنظر في حادث نسيان طفل الروضة في الحافلة والذي أسفر عنه وفاته من أعمالها يوم أمس بإصدار تقريرها بشأن الحادث المذكور.
صرّح بذلك الوكيل المساعد للتعليم العام والفني والقائم بأعمال الوكيل المساعد للتعليم الخاص والمستمر ناصرالشيخ؛ حيث تبين للجنة أنّ سبب نسيان الطفل المذكور يعود إلى الإهمال الذي تشترك فيه عدّة أطراف، مما أدّى إلى وفاة الطفل، وهو ما يشكّل جريمة وفقا لأحكام المادة 432 من قانون العقوبات، ويُوجب تحويل الموضوع إلى النيابة العامّة، ووقف اتخاذ الإجراءات الإدارية من قبل الوزارة مؤقتا، إلى أن يصدر قرار النيابة أو حكم المحكمة المختصة، على أنْ يتم بعد ذلك النظر في الواقعة ومعاقبة المسئولين عنها إداريا في ضوء ما سيسفر عنه قرار النيابة أو حكم المحكمة، وفقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1998 بشأن المؤسسات التعليمية والتدريبية الخاصة.
دعا أطباء إلى التحقيق في قضية وفاة طفل في داخل حافلة إحدى الروضات بسبب الحرارة المرتفعة التي تعرض إليها وتسببت في سكتة دماغية، مشددين على ضرورة هذه الخطوة من أجل خلق الوعي بين الناس لمنع تكرار المأساة. وأكد الأطباء إن هذا الحادث يمثل انتهاكا خطيرا لسلامة الأطفال، ولكنه قبل كل شيء جريمة في حق الطفولة.
وقال أطباء كانوا قريبين من تطبيب الطفل: «لم نستطع تماسك أنفسنا ونحن نشاهد هذا الملاك الصغير على السرير وهو ينزف من كل مكان ودماغه وكامل أعضائه قد طبخت طبخا من الحرارة التي تعرض لها وقد أصيبت جميع أعضائه الحيوية بأضرار يتعذر إصلاحها، وجميع أعضائه طهيت طهيا بسبب الحرارة. جميع الأطفال دخلوا اليوم الأول إلى الروضة، إلا أن هذا الطفل الملاك لم يدخلها، بل بقي في داخل سيارة تطهيه الحرارة لمدة أربع ساعات».
وأضافوا «عندما نفكر فيما حدث في الساعات الأربع من حياة هذا الطفل داخل سيارة مغلقة وحارة جدا يصرخ لوحده، خائفا عطشانَ مرعوبا وينادي من يساعده للخروج من تلك السيارة حتى فقد وعيه ويدخل في غيبوبة ويتوفى في وقت لاحق في المستشفى، لا نستطيع تمالك أنفسنا من البكاء (...) نحن على علم أن والدي الطفل لم يوجها أي تهمة لأحد وأنهما عفوا، ولكن نعتقد أننا يجب ألا نتوقف عند هذا الحد».
وذكر الأطباء أن «فقدان طفل بهذا الشكل خطير جدا، وتماسك الأب والأم يعطينا درسا في الصبر والإيمان. لكن في المقابل، ماذا يمكننا أن نعطي والدي سيدجعفر مقابل ما حدث لابنهما؟ لا نستطيع استعادته، ولكن لا بد من تبيان لهم أننا جميعا نتألم كما يتألمون وأننا سنعمل، وبإمكاننا أن نسعى لمنع حدوث ما حصل للطفل».
وتابعوا «هل تعلمون ماذا يتعرض له الأطفال الذاهبون إلى المدرسة من حوادث متصلة، بطريقة أو بأخرى، بسبب إهمال من السائق أو المدرسة؟ وماذا يحدث بعد ذلك؟ لا شيء، لا قواعد صارمة ولا عقابا. الشرطة والمستشفيات لديها ملفات كاملة من الحوادث العرضية والانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال. صحفنا لا تكتب الشيء المناسب عنهم، وبعد ذلك يكون النسيان مصيرهم».
وأفادوا أن الوقت قد حان للتفكير بقواعد صارمة لاختيار السائقين أو مساعدين للأطفال، مبدين أسفهم لأن تحصل القضايا التافهة على تغطيات صحافية موسعة، ولكن الجرائم التي تتصل بالأطفال سواء كانت جسدية أو عاطفية أو جنسية تفلت من العقاب ويطولها النسيان».
وقالوا: «لا ينبغي لنا أن نتعاطى بنوع من السذاجة بسبب طيب القلب، ويجب ألا يمر هذا الحادث بهذه الطريقة. ينبغي لنا ألا نترك هذه القضية، بل أن نستفيد منها؛ كي تكون حافزا لتعديل الأنظمة الحالية لسلامة الأطفال، أو إيجاد قواعد جديدة فعالة».
كشف رئيس قسم الطوارئ والحوادث بمجمع السلمانية الطبي جاسم المهزع عن حملة تثقيفية وتوعوية لسلامة الأطفال ستقام بالتعاون مع وزارة الصحة، ومن المؤمل أنْ تقام خلال الأيام المقبلة.
وأوضح المهزع في تصريح لـ «الوسط» أنّ الحملة تأتي إثر حادث وفاة الطفل «سيد جعفر» في حافلة الروضة، إذ ستركز الحملة على توعية المواطنين وتثقيفهم بطرق الوقاية من الإصابات المنزلية والمدرسية التي قد تحدث في أي وقت.
وأشار المهزع إلى أنّ المادة العلمية الخاصة بالحملة ستقدم إلى قسم العلاقات العامّة بوزارة الصحة، والذي بدوره سيختار الطريقة الأنسب في بث هذه الحملة، إمّا عن طريق المقالات الصحافية أو الإعلانات أو المطبوعات.
العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ
عاشقة المستحيل
عنجد كتير القصة مؤثرة جدا وحزينة والله يصبر والدى
الله يعنهم وانشاالله يكون مثوى الجنة امين يارب
وانشاالله ربنا يعوضكم فى غيرو
مع كل تحياتى لكم جميعا واسفى عليكم