العدد 2196 - الثلثاء 09 سبتمبر 2008م الموافق 08 رمضان 1429هـ

عندما نعجز عن جمع القمامة فلا غرابة في انقطاع الكهرباء

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ظاهرة جديدة تشهدها بلادنا منذ فترة ألا وهي انتشار القمامة في شوارعنا وتكدسها أمام البيوت في مناطق سكنية عدة. هذه الظاهرة هي نقيض لما كانت عليه الأمور قبل ما يزيد على عشر سنوات حينما كانت عربات شطف الأتربه تمسح المخلفات والأتربة من على شوارعنا. فما الذي تغير يا ترى؟

تعدد الأجهزة وتضخمها

في السابق لم تكن لدينا أجهزة بلدية متعددة ولا مجالس بلدية ولا جهاز إداري ضخم كما هو الحال عليه الآن. ففي علم الإدارة يوجد مبدأ متعارف عليه هو مبدأ وحدة القياده أي (unity of Command). ووحدة القيادة لا تعني هنا مركزيتها، بل تعني تحديد ووضوح الأهداف والمسئوليات لتسهيل عملية المساءلة والمحاسبة. أما الآن فقد أضاع تعدد مراكز القوى وتداخل المسئوليات (Overlap) مبدأ وحدة القيادة وعقد من مسئولية المساءلة والمحاسبة, فتعدد الجناة يصعب من مهمة اكتشاف الجاني الحقيقي.

تعطيل العمل بمبدأ الجدارة والكفاءة

في حقبة ما بعد الاستقلال تولدت قناعة بأهمية أن توكل مسئولية الإدارة الحكوميه إلى الكفاءات البحرينية والاستعانة بالخبرات الأجنبية لنقل المعرفة والخبرة للنظراء البحرينيين. ومن المفارقه أن يتحول الوضع إلى ما يشبه النقيض في عصر الإصلاح حيث أقحمت السياسة في الإدارة وتم تغليب أوهام قديمة وعقيمة كأسبقية الولاء على الجدارة على غرار ما كانت تعمل به أنظمة شمولية حزبية انهارت بسبب ما جلب لها هذا النمط من التفكير العقيم من تسيب وتحلل.

وخير دليل على تعطيل العمل بمبدأ الجدارة الذي نصت عليه المادتان الرابعه والسادسة عشرة من الدستور هو غياب آلية مكتوبة للاختيار، وجهاز يعمل على تطبيقها وفقا لما نص عليه قانون الخدمة المدنية الذي لم يتم تفعيل كثير من مواده منذ صدوره حتى الآن. وهكذا يصبح أسلوب المحاباة (Spoils System ) هو البديل لمبدأ الجدارة الذي نص عليه الدستور.

عواقب ضارة

من المعروف أن لتعطيل العمل بمبدأ الجدارة عواقب ضارة على الدولة والمجتمع وانعكاسات سياسية سلبية تهدد تماسك الوطن ووحدة مكوناته، بالأضافة إلى انعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني. فإعطاء المسئولية على أسس من الولاء المصطنع والأصطفاف الفئوي أو المذهبي يجانب العقلانيه والصواب لكونه يجلب الضرر إلى صاحبه قبل غيره. وأثبتت التجارب والبحوث الدولية الموثقة أن تعطيل العمل بمبدأ الجدارة سبب رئيسي لانتشار الفساد والتسيب في المجتمع. ومن مؤشراته ضعف الأداء بسبب عجز القائمين على إدارة الأجهزة الحكوميه عن تحمل مسئولياتهم.

يجادل البعض أن وظيفة الوزير هي سياسية بالدرجة الأولى وعلى رغم اتفاقنا مع هذه المقوله فإن الوزير في بلداننا يحمل قبعة سياسية وأخرى تنفيذية، إلا أن الثانية تطغى على الأولى. وعلى رغم أن العكس هو الصحيح في الدول المتقدمه إلا أن هذه الدول تعمل بمبدأ الجدارة والخبرة والتطوير والتمهين فتخضع المسئولين لتدريب تنفيذي طويل ومكثف لتمكينهم من أداء مهامهم بنجاح، فليس كافيا أن يكون مهندسا مسئولا عن إدارة قطاع الكهرباء, أو أن يكون شخصا مطيعا مسئولا عن إدارة وتخطيط جهاز حيوي للخدمات. فهذه الخصائص على رغم أهميتها لا تعوض عن معايير الكفاءة والقيادة الإداريه المتعارف عليها، وهي كثيرة ولا مجال هنا لذكرها.

قبل أن نشهد انحدارا للتألق

بعد مرحلة الأستقلال كان البعض يحسدنا على ما حققناه وما نطمح في تحقيقه. وما زلت أتذكر تلك الوفوذ الزائره من دول الجوار للاستفاده من تجاربنا ونظم عمل أجهزتنا. وأتذكر جيدا توصية مؤتمر عقد في دولة خليجيه تدعو دول مجلس التعاون للاستفادة من تجربة البحرين في إدارة الخدمة المدنية.

وعندما تصفحت تقارير حكومة البحرين في عهد ما قبل الاستقلال دهشت من دقة أرقام التقارير المالية وطريقة إعداد الموازنة وحساب العائد والمصروف. واندهشت أكثر من مذكرة مستشار حكومة البحرين آنذاك يمنع فيها نقل الطين من خليج توبلي.

وعندما استحضرت التعيينات في الأجهزة التنفيذية زادت دهشتي لما تضمنته عملية الاختيار من دقة في معادلة الموازنات المحليه من دون التفريط في مبدأ القدرة على الإدارة والقيادة. أدركت حينها كيف حققنا مجتمع الأسرة الواحدة، وحافظنا على هويتنا ووطننا من الضياع، وأصبحنا نملك القدرة على إدارة مصانعنا، فأوجدنا الألمنيوم إلى جانب النفط والغاز، ولم تتوقف محطات الكهرباء عن الإنتاج والتوزيع. إنه حقا إنجاز كبير على رغم من قلة الموارد.

والآن نتحدث كثيرا عن أهمية تحسين إجراءات العمل وتطوير الأداء ونسعى لتبني برامج ومراكز للتميز، ومعايير وممارسات عمل دولية تهدف إلى تحسين الأداء وجودة الخدمة, إلا أن الواقع الماثل أمامنا يبرز النقيض. فعندما نعجز عن جمع القمامه من شوارعنا أو تتكرر انقطاعات الكهرباء عن معظم مناطقنا كل عام, أو إصدار شهادات لدفن الحي خطأ بدلا من الميت، أو تتعقد إجراءات العمل في كثير من الجهات الحكومية، أو تفوح رائحة الفساد من هنا وهناك، وتصبح المحسوبية هي الخيار المفضل لتتحول بذلك مؤسساتنا إلى كانتونات موزعة على أسس فئوئية وطائفية، ألا يعد ذلك كافيا لإعطاء مؤشرات واضحة على وجود خلل كبير كامن في طريقة اختيار المسئولين وعلى جميع المستويات؟

وإلا لماذا الآن وبعد مضاعفة الموارد نعجز عن جمع القمامة، ونترنح في إدارة مرافقنا؟

سؤال له مدلولاته على مستقبل الوطن، فهل من إجابة عليه؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2196 - الثلثاء 09 سبتمبر 2008م الموافق 08 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً