كلف المجلس الوزاري لمجلس وزراء مجلس التعاون الخليجي في اجتماعه الأخير المنعقد في 2 سبتمبر/ أيلول 2008 الإمارات بإعداد دراسة عن العمل الجماعي للاستثمار في مجال الأمن الغذائي ووضع مقترحات بهذا الشأن بالتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس.
وقال الأمين العام للمجلس عبدالرحمن بن حمد العطية: «إن قادة دول المجلس اتخذوا الإجراءات اللازمة لتوفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة للمواطنين والمقيمين».
وتمحورت تصريحات العطية، في هذا الشأن، حول «إنتاج سلع غذائية أساسية وإنشاء شركة مملوكة أو مشتركة يكون هدفها توفير المواد الغذائية، وإنشاء صندوق مشترك للاستثمار في القطاع الزراعي لتوفير الأمن الغذائي المشترك، وإيجاد حلول مشتركة وتوجه موحد للمحافظة قدر الممكن على الأسعار وحماية المستهلك في هذه الدول».
مهم جدا أن تلتفت الأمانة العامة نحو «الغذاء وتوفيره وحماية مستهلكه»، لكن هذا المدخل، الذي نأمل ألا تحصر الدراسة المزمع القيام بها نفسها فيه، هو بمثابة الإطار الضيق غير الشامل، الأمر الذي سيحول دون رؤية خطة التنفيذ للتحولات في معالجة «مسألة الغذاء» من مدخلها الشمولي المتكامل، وذلك للأسباب الآتية:
1 - الطبقة السفلى الأساسية من مسألة الغذاء، على أهميتها وضرورة بنائها، إلا أنها تحصر نفسها في مجرد «الإنتاج من أجل الاستهلاك، وفي أحسن الأحوال التصدير»، وتفقد من جراء ذلك أية نظرة شاملة للغذاء كمادة خام، تدخل بعد تشبيع دائرة أهدافها التغذوية، في صناعات استراتيجية معقدة.
2 - صناعة الغذاء المعقدة هذه تبدأ بمنتجات بسيطة تنتج على هامش معالجة المواد الخام الغذائية تلك، مثل الأسمدة ولعب الأطفال، وتنتهي بمصنعات معقدة مثل الوقود الحيوي، على رغم تحفظنا على تصنيعه، لما له من مضار على البيئة، وعلى استهلاك المواد الزراعية في غير أماكنها.
3 - تكامل صناعات الغذاء، حين تتجاوز مدخلها الضيق تتكامل مع صناعات استراتيجية أخرى، في مقدمتها النفط والغاز الطبيعي، ونحن لا نتحدث هنا عن النفط والغاز كمصدرين أساسيين من مصادر الطاقة، وإنما نشير إلى منتجاتهما، وخاصة النفط، التي يمكن بتفاعلها مع منتجات الصناعة الغذائية، تصنيع منتج ثالث، غذائي أو غير غذائي من أنماط الألياف الضوئية، وأنواع خاصة من الملابس.
ما يدفعنا إلى الإشارة إلى مثل هذه التحذيرات، وفي هذه المرحلة المبكرة من مراحل إعداد الدراسة، مجموعة من الأرقام التي تشير إلى أن الثروة النفطية، والسيولة النقدية، عندما تصرف في غير مكانها، تتحول إلى عوامل سلبية معيقة للتطور والتنمية، بدلا من دورها الإيجابي فيهما.
المسألة الثانية التي، تدفعنا إلى إبراز هذه التحذيرات، هو خشيتنا من سوء تحديد سلم الأولويات، عند تحديد الإطار العام لدراسة الغذاء المزمع القيام بها. ندلل على ذلك بتخلف دول مجلس التعاون، وإلى يومنا هذا، في تشييد بنية تحتية متينة تتناسب وطموحاتها التنموية، وتستفيد من الوفرة النقدية والسيولة المالية التي بين أيدينا. هذا ما أشار إليه العضو المنتدب لشركة باين أند كومباني الشرق الأوسط جان ماري حين قال إنه على رغم توقعات بارتفاع «أصول الصناديق السيادية إلى ثلاثة أو أربعة أمثالها (نحو 1,5 تريليون دولار غالبيتها في دولة الإمارات)، في غضون خمس إلى عشر سنوات إذا ظلت أسعار النفط عند المستويات الحالية»، ظلت دول مجلس التعاون، كما يرى جان ماري «متقاعسة عن الاستثمار في الخمسة عشر عاما الماضية في مشروعات البنية التحتية لديها ولم تدرك الحاجة إلى ذلك إلا مؤخرا».
ولكي تأتي صناعة الغذاء التي تحتاجها متكاملة مع اقتصاداتها وليست خارجها، لابد من قراءة صحيحة ومتأنية للتقرير السنوي الصادر عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي والذي حدد ثلاثة تحديات اقتصادية رئيسية تواجهها المنطقة.
هذا ما نحتاجه عند تنفيذ دراسة استراتيجية لصناعة الغذاء، آخذين في الاعتبار أن دول مجلس التعاون لن يشلها، مثل الدول النامية الأخرى، عجز في السيولة، فوفقا لتوقعات معهد ماكينزي العالمي في نيويورك سوف تتراوح دخول دول مجلس التعاون بين 9 تريليون و6,2 تريليونات أو 4,7 تريليونات في حال احتساب أسعار النفط مئة أو سبعين أو خمسين دولارا لبرميل النفط، على التوالي.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2196 - الثلثاء 09 سبتمبر 2008م الموافق 08 رمضان 1429هـ