لفهم حالة التخبط التي تعيشها المجتمعات العربية على كل الأصعدة من السياسية والاقتصادية والتعليمية والفنية، يمكننا أن نقارن كل هذه الدول بدولة واحدة كالولايات المتحدة الأميركية أو اليابان على سبيل المثال، كمثالين بعيدين يتفقان في كونهما دولتين صنعتا لأنفسهما المجد والرقي في كل المجالات اعتمادا على الذات، فيما 22 وعشرون دولة لاتزال تترنح خطوة للأمام وخطوتين للوراء.
البعد في هذه المسألة ليس بعدا سياسيا عدائيا للأنظمة في تلك المنظومة القومية، لكن الأمر مرتبط بأسس علم الإدارة التي أدركها العالم جميعه بفارق عشر خطوات إلى الأمام، وظللنا نحن نرقبه متسائلين عما يعنيه.
تقسم الإدارة عملية الإنجاز عموما إلى عدد من المراحل، أولها هي وضع الأهداف التي يطمح الإنسان إلى تحقيقها، على أن تكون تلك الأهداف حقيقية قابلة للتحقيق وبالإمكان قياسها وتحديد مدى زمني لتحقيقها، وهي بالتالي تكون الخطوة الأولى له لمعرفة ما يريد أن يكونه الفرد أو الوطن أو الأمة.
بعد تحديد الأهداف، توضع الخطط القصيرة والبعيدة المدى، الاستراتيجية والتكتيكية لتحديد كيفية بلوغ الغاية، والخطوات التي سيسير عليها العمل، إلى جانب وضع بدائل لا تحيد عن خط الأهداف الأصلية إلا وتعود إليها، تلي ذلك التنفيذ والمتابعة لما يقود إليه الواقع، والتكيف مع ما تقتضيه الظروف المحيطة، حتى يكتمل إنجاز الهدف، ويتم بعد ذلك إجراء تقييم حول المسيرة والنتائج للاستفادة منها في تطوير تجارب أفضل.
هنا، وليس ببعيد، يمكننا أن نقول إننا ولدنا وترعرعنا وعشنا دون أن يكون هناك هدف واضح، لذا فإن كل ما حولنا خليط من التخبطات والأمور المتصادمة في بعضها بعضا، فإن كنا هدفنا في يوم لخلق مجتمع (رائع)، لكنا عرفنا كيف نقي الناس انقطاع الكهرباء في حر الصيف، وجنبناهم ازدحامات السير في الثامنة صباحا والثانية ظهرا عند مدخل جسر سترة وإشارة الخارطة سابقا، ولم نكن مضطرين للاستماع لشكاوى توظيف وتجنيس لشغل وظائف، أو بعثات غير كافية للمتفوقين، ولا حتى أمسينا ونحن نفطر على برامج القنوات الفضائية، وقناتنا المحلية يجدر عليها البكاء.
رغم استحالة عودة ثانية للوراء، فإن اليوم الذي نحن فيه حري بنا أن نستغله لنعيد برمجة أهدافنا وما نرغب في أن نكونه وفق رؤية أكثر وضوحا، يتشارك الجميع في صوغها ضمن الأسس الديمقراطية التي تقدمنا بها كل العالم وبقينا نحن حبيسي تاريخنا وأمجادنا التي نتغنى بها في المسلسلات الرمضانية.
إقرأ أيضا لـ "علي نجيب"العدد 2196 - الثلثاء 09 سبتمبر 2008م الموافق 08 رمضان 1429هـ