«التونة» في ذكريات غالبية زملائي من الذكور في العمل، ترتبط ارتباطا وثيقا بشهر رمضان المبارك، فهي تذكرهم بجرم ارتكبوه عندما كانوا صغارا، ألا وهو «السرقة»، إذ إنهم كانوا عندما يشعرون بالجوع في شهر رمضان يقومون بفتح علبة «تونة» ويأكلونها ثم يقومون برمي العلبة في سلة المهملات... «ولا من شاف ولا من دري»!.
لست هنا بصدد طرح قضية «أكل التونة» في رمضان أو حتى تحريض الأطفال على أكلها، وإنما أردت التحدث عن «التونة» لإحساس ما بداخلي بوجود تشابه كبير بين مسلسلاتنا الخليجية «الهابطة» التي «تتحفنا» بإبداعاتها خلال شهر رمضان، وعلبة «التونة»!... وإن أردت معرفة الشبه، فنحن نقدمه إليك:
أولا: «التونة» تأتينا مضغوطة داخل أسوار علبة معدنية، أما الدراما الخليجية فهي محصورة بين أسوار الفلل الفخمة، وإن غادرتها فإلى السيارات الفارهة، إذ تدور الصراعات والمكائد بين أفراد العائلة الواحدة لاقتسام ميراث أب، أو لعرض تداعيات زواج متصدع، أو شيء من هذا القبيل.
ثانيا: طعم «التونة» وإن اختلف البلد المصنع متشابه، فالطعم لا يختلف كثيرا حتى وإن جاءك بعضه بالملح وآخر بالخل وآخر بالزيت. كذلك هو حال مسلسلاتنا الخليجية... مضمونها متشابه، بل تكاد تكون صورا متطابقة، إذ لن يكون هنالك اختلاف حتى في صور مؤديها وممثليها.
أما أوجه الاختلاف بين مسلسلاتنا الخليجية و «التونة» فهي كثيرة بخلاف التشابه، وسنذكر منها الآتي:
أولا: عندما يتفاخر القائمون على أي عمل خليجي في وسائل الإعلام فإنهم يقولون: مسلسلنا يعكس واقعنا الذي نعيشه... نعم فعلا، والدليل أننا نعيش في بيوت هي شبيهة بعلب «التونة» نتراصص فيها ولا مجال لترفع يدك أو تمدها إلى جانبك (متر في متر)، بينما أبطال مسلسلاتنا الذين يجسدون «هذا الواقع» يعيشون في فلل وقصور مساحاتها ينطح فيها الخيل!
ثانيا: إن ادعى المسئولون عن هذا العمل بأنه يطرح قضايا «زفرة» تفوح رائحتها في مجتمعنا، فنحن نقول لهم هي ليست بتلك «الزفارة»، بل هي ظواهر «شاذة» وقليلة في مجتمعنا، وإن تسليطهم الضوء عليها قد يزيد من تفشيها، تماما كرائحة «زفر التونة» عندما توضع مع قطع من البصل، فإن رائحة «الزفر» تختفي... فلو أردتم إصلاح مجتمع ما يجب أن تكثروا من تقديم النموذج الجيد الذي سيطغي على السيئ، وبذلك بالإمكان أن نتخلص من تلك الظاهرة السيئة.
ملاحظة أخيرة أردت أن أضيفها قبل أن أنهي المقال: أيها الفنانون... المشاهد الخليجي يستطيع أن يتحمل «زفارة التونة»، لأن البعض قد يجدها لذيذة، ولكنه لا يستطيع تحمل «زفارة» مسلسلاتكم «الهابطة» التي باتت رائحتها أشبه بالسمك المتعفن، فهم يجمعون على أنها باتت تطغي على تلك الأعمال المتميزة الموجودة على الساحة الفنية، بل وتبعدهم عن «سوق السمك»... وبعد عام أو عامين، لن تجد هناك من يتابع التلفزيون
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ