العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ

تهاوي دول الممانعة!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

إنْ عاجلا أو عاجلا، ستجد آخر دول الممانعة نفسها على طاولة المفاوضات، وبشكل مباشر مع الكيان الصهيوني. هذه الدول التي كانت تسمى بـ «الممانعة»، اعتقدت أنها أحكمت الطوق بدأت في إرخائه، بل وقطعه.

الحديث عن التطبيع مع «إسرائيل» يمر عبر تراكم الأخطاء التي ارتكبتها الكثير من الأنظمة الاستبدادية، والتي لا يكتفي معظمها في قهر الداخل ليحيل ما يستطيع أن تصل يداه من الخارج إلى جحيم شبيه بالداخل عنده. الداخل العربي الذي اعتاد أن لا يرى إلا وعود الشهور الأولى من الحكم، تعود أن هذه الوعود لن تؤتي نتائجها عدا أكلها.

أكثر ما يحكم الطوق على الأنظمة الاستبدادية العربية هي عزلتها الداخلية، لأن النظام الأمني السائد في النظم الاستبدادية لم يترك فسحة من هواء لمفكرين ومثقفين في الداخل طالما يكتوون بنيران الجهاز الاستخباري. عدا البقية الساحقة من الشعب، إذا ما استثنينا منه الطبقة المستفيدة من استمرار وجود ذلك النظام وهيمنته على الأمور.

نموذجنا الاستبدادي دائما ما يقتات على بقايا الحرية التي يخلقها المثقفون لذواتهم، فتراه بين الفينة والأخرى يطارد المفكرين والنخبة الواعية حتى وإن لم يحملوا سلاحا يهددون به النظام، ولم يشتركوا في مؤامرة انقلاب. وقد يكون كل ذنبهم أنهم أشاروا إلى مواضع الخلل والقصور والثغرات التي يمكن أن تصيب النظام في مقتل، فيكون جزاؤهم الزج بهم في غيابات السجون لسنوات تدعو إلى الاستغراب من إصرار هذه الأنظمة على كشف جبهتها الداخلية، وبالتالي تعرضها إلى عراء نهائي يمكن أن يتأزم به وجودها، وربما ينهيه.

قد تظهر بعض الأنظمة الاستبدادية (حسب رأي بعض المحللين) مرونة في تعاطيها مع مقتضيات المرحلة، يقابلها عسْر وانسداد أفق الداخل. مرونة تبدو غير مشروطة في التفاوض مع العدو - وإن تكالبت أجهزة الإعلام الرسمية على تصوير الأمر على أنه تفاوض من موقع القوة! على رغم عدم التقاطي لموقع القوة المزعومة في قرار التفاوض.

وقريبا من الأنظمة العربية، وبعيدا عما تضغط باتجاهه واشنطن للتطبيع مع «إسرائيل» نرى أن المفاوضات على الخط السوري تستبعد فك الارتباط بين الجبهة السورية الإيرانية؛ إذ تلك الورقة الوحيدة التي يمكن لسورية أن تلعبها من باب تأمين ورقة ضغط من جهة وتأمين غطاء لوجوده من جهة أخرى. لكن في المقابل لا يمكن لسورية أن تذهب إلى المفاوضات مع «إسرائيل» من دون فك ارتباطها مع حزب الله. والتصريحات الأخيرة التي برزت من قبل متعاطفين ومؤيدين لحزب الله تقرأ هذا التوجه، وهي متيقنة منه. ليس آخرها تصريح رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص، الذي شبَّه مفاوضات الرئيس السوري بشار الأسد بمفاوضات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ذلك أول الغيث. حزب الله من عادته التروي والتأني في تصريحاته، وخصوصا في نقطة مفصلية ومفترق طريق كهذا. لكن ذلك لا يعني أن الحزب وأمينه العام السيدحسن نصرالله بعيدان عن تلك القراءة.

لا يمكن لسورية في حال نضجت مراحل التفاوض، ووصلت إلى مراحلها النهائية، ألا تفك ارتباطها بحزب الله. ذلك جزء من التسوية ستجد سورية نفسها مرغمة على القبول به (الجزء)، وعلينا أن نضع زيارة الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، في سياق وتوقيت التوجه السوري، وخصوصا تصريحه المتعلق بإيران وفرص توجيه ضربة عسكرية لها، عدا ذلك - والأهم - القمة الرباعية التي جمعت أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب الرئيسين السوري والفرنسي. كل ذلك في سياق الترتيب لمراحل التسوية.

حزب الله بعد خلط الملفات الداخلية، والأزمة السياسية التي عصفت بلبنان بعد اتفاق الدوحة، ونذر الحرب الأهلية (الطائفية) التي لاحت في الأفق لن يركن إلى سورية كداعم ومؤيد محوري في صراعه مع الكيان الصهيوني، وإن نأت سورية بنفسها ظاهرا - عن كونها الداعم له ضد خصومه في الداخل؛ إذ يظل تعويلها الأساس والمحوري على الدعم الإيراني الذي لن يكون طرفا في شروط التسوية بالنسبة إلى سورية.

ما الذي نريد الوصول إليه؟

إذا ضمن النظام السوري كف الإدارة الأميركية عن توجه إسقاطه. وإذا ضمن غطاء تركيّا قطريّا، وفي مرحلة لاحقة، ضمان غطاء سعودي مصري - وذلك ما سيحدث - لن يعنيَ في كثير أو قليل تحجيم الارتباط والعلاقة بينه وبين إيران في ظل لعبة المصالح من جهة، ومتغيرات وتحولات تعصف بالمنطقة تهاوت معها آخر جبهات الممانعة العربية من جهة أخرى

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2195 - الإثنين 08 سبتمبر 2008م الموافق 07 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً