العدد 2192 - الجمعة 05 سبتمبر 2008م الموافق 04 رمضان 1429هـ

عمليات إنقاذ اقتصادية مشكوك فيها

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

التاريخ العسكري يكتبه المُنتصرون. أما التاريخ الاقتصادي فتكتبه إلى حدّ ما المصارف المركزية. وفي الحالتين كليهما، عليك أن تأخذ آراء المسئولين الرسمية بدرجة كبيرة من الحذر. ولسوء الحظ، فإن من الصعوبة بمكان أن تتغلب الحقائق على المعتقدات المزيّفة. وتلعب تلك الآراء المزيّفة دورا بارزا في الأبحاث المتعلقة بالسياسات الاقتصادية.

حتى نضع يدنا على الأوضاع الراهنة فيما يتعلق بالآراء التي تُطرح بشأن مجلس الاحتياط الفيدرالي، لا يوجد مكان أفضل لذلك من البدء فيما ذكره رئيس المصرف السابق آلان غرينسبان في كتابه «عصر الاضطراب». ووفق ما جاء في الكتاب، فإن الاحتياطي الفيدرالي كان على صواب في كل ما فعله غرينسبان خلال فترة ولايته: أغسطس/ آب 1987 - ديسمبر/ كانون الثاني 2006.

دعونا نأخذ نظرة أكثر تعمقا. هل كانت هنالك أية أخطاء أو أنماط سياسات غير سوية خلال فترة ولاية غرينسبان؟ إن أسهل طريقة للإجابة على هذا السؤال هو قياس توجه نسبة النمو في المبيعات النهائية الاسمية للمشترين الأميركيين (إجمالي الناتج المحلي - الصادرات + الواردات - التغيرات في المخزونات) ومن ثم التفحص في الانحرافات عن ذلك التوجه.

خلال ولاية غرينسبان، نمت المبيعات الاسمية النهائية بمعدل 5.4 في المئة سنويا. هذا يعكس مجموع النمو الحقيقي للمبيعات بمعدل 3 في المئة مضافا إليه التضخم بمعدل 2.4 في المئة.

الانحراف الأول من هذا التوجه بدأ بعد فترة وجيزة من تولي غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياط الفيدرالي. فاستجابة لانهيار السوق المالية في أكتوبر/ تشرين الأول 1987، فتح المصرف مفاتيح مضخة ماله، وعلى امتداد السنة اللاحقة ارتفعت نسبة المبيعات النهائية بـ 7.5 في المئة وهو معدل أعلى من المعتاد.

بعد أن ذهب البنك المركزي بعيدا جدا، تحوّل ليعود مرة أخرى في الاتجاه المعاكس. وكان من نتيجة التشديد الذي فرضه الاحتياطي الفيدرالي حدوث تراجع اقتصادي معتدل في العام 1991، وما بين العام 1992 وحتى 1997 كان النمو في القيمة الاسمية للمبيعات النهائية مستقرا. بيد أن الانهيارات المتلاحقة التي لحقت ببعض العملات الآسيوية، والروبل الروسي، وإدارة صندوق الأمان الطويل الأمد، وأخيرا ما أصاب الريال البرازيلي، أدى كل ذلك إلى قيام المصرف بضخ كمّيات زائدة من السيولة، الأمر الذي أدى إلى انتعاش في أرقام المبيعات الاسمية النهائية.

وأعقب ذلك دورة أخرى من التشدد من قبل الاحتياطي الفيدرالي ترافق مع انفجار فقاعات الأسهم في العام 2000 وانخفاض في النشاط الاقتصادي.

وكان آخر قفزة كبيرة في نسبة المبيعات النهائية الاسمية نتيجة لقيام الاحتياطي الفيدرالي بضخ سيولة في الأسواق لمعالجة مخاوف الانكماش المزيَّف الذي وقع العام 2002. في ذلك الوقت، كانت الزيادة السنوية في جدول الأسعار بالنسبة للإنفاق الشخصي الأساسي الاستهلاكي ينحدر إلى ما هو أدنى إلى 1 في المئة، بحيث أعطى إشارة بوقوع انكماش اقتصادي.

خلال ولاية غرينسبان، تبدو الحقائق واضحة: كان رد فعل مجلس الاحتياط الفيدرالي للأزمات الحقيقية أو المُفترضة ردا مبالغا فيه وخلق ثلاث فقاعات للطلب في فترة ما بعد الأزمات. وتبع تلك الفقاعات تشديد في السياسة النقدية والذي كان ضروريا للقضاء عليها.

إن الانكماش الحالي في الاقتصاد الأميركي يحمل جميع علامات «الدورة الاقتصادية النمساوية». في مثل هذا النمط من الدورات، فإن انتعاشا في توفر السيولة يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الأسعار ويؤدي في النهاية في زرع بذور دمارها، أي إلى حدوث انكماش اقتصادي.

الدورة الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي جرت في أواخر 1920 ومطلع الثلاثينيات كانت نموذجا للدورات النمساوية التقليدية. والازدهار الياباني، ثم الانهيار الذي وقع في أواخر الثمانينيات، كان أيضا تجسيدا لشكل من أشكال الدورة النمساوية.

بموجب الدورة النمساوية، تلعب المصارف دورا مفصليا سواء في الصعود أو في الهبوط. فعندما تتكشف دورة الهبوط، تبدأ أسعار الموجودات بالانكماش. ونتيجة لذلك، فإن رؤوس أموال المصارف تصبح مهددة وتجهد المصارف لإعادة بنائها.

يكون الاقتصاد مكشوفا لما يسميه علماء الاقتصاد في المدرسة النمساوية بالانكماش الثانوي حيث تستدعي المصارف القروض وتُصبح متشددة في إعطاء تسهيلات مالية أخرى. أما العائلات فتُنتج صيغتها الخاصة بها حيث تُسيّل الموجودات الأكثر تعرضا للخطر (مثل سندات الصناديق المشتركة) وتُحول موجوداتها إلى نقد وإلى سندات حكومية، وبالنسبة للاقتصاد عموما، تُعاني الاستثمارات ويعاني الاستهلاك سواء بسواء.

عندما يقع هذا السيناريو، فإن صفقة الإنقاذ التي يعمد الاحتياطي الفيدرالي إلى اتخاذها تصبح موضع شكّ ذلك لأن المصارف تُصبح أكثر تشددا في إعطاء التسهيلات وتعمد إلى إعادة بناء أرصدتها وتستخدم السيولة المتوافرة لديها لشراء السندات الحكومية. وباختصار، فإن آلية خلق السيولة تتعثّر وتصبح غير قابلة للتنفيذ.

فإذا كان هنالك إمكانية بأن تفشل السياسة النقدية في إنقاذ الاقتصاد الأميركي المُنكمش، ماذا إذا عن سياسة الدولة المالية؟ لقد وقّع الرئيس بوش على صفقة إنعاش للاقتصاد بقيمة 170 مليار دولار في 13 فبراير/ شباط الماضي. معظم ذلك المبلغ كان على شكل خصم ضريبي - شيكات من الحكومة. الفكرة وراء ذلك هي أن الناس سيتراكضون لإنفاق هذه الثروة التي نزلت عليهم وأن الاستهلاك سيشهد نشاطا.

هنالك مشكلة فيما يتعلق بهذا النمط من السياسة المالية الكينزية. فالناس يُقيّمون استهلاكهم بالنسبة للمتغيرات في توقعاتهم البعيدة المدى أو مداخيلهم (الثابتة)، ولا يعطون سوى أقل اهتمام للتغيرات المرحلية.

ونتيجة لذلك، فإن الخصم الضريبي لمرة واحدة (مثل تلك التي حصلت في العام 1975) لا يؤدي إلى مزيد من الاستهلاك، ذلك لأنه لا يغير من مداخيل الناس الثابتة.

وحيث يغرق الاقتصاد الأميركي، تُستخدم الوسائل النقدية والمالية لرفعه وانتشاله. ولكن هنالك أسباب قوية للشكّ في فعالية تلك العمليات الإنقاذية.

* كبير الزملاء في معهد كيتو بواشنطن العاصمة،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2192 - الجمعة 05 سبتمبر 2008م الموافق 04 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً