منذ انطلاقتها على المستوى التجاري في منتصف الثمانينات، لم تتوقف الإنترنت عن إثارة الجدل بشأن موضوعات كثيرة ومتنوعة، احتل موقع الصدارة منها تلك الموضوعات ذات العلاقة بالأطفال. ومرة أخرى كان نطاق تلك العلاقة واسعا، ومثيرا للجدل في آن، فامتد من موضوعات مخاطر المواقع الإباحية، وعرج على سوء استغلال استخدام الأطفال للإنترنت وجرهم إلى إرتكاب الكثير من الممارسات اللاأخلاقية والمنافية للقيم الإجتماعية السوية، وانتهى بها الأمر إلى مناقشة موضوعات تفصيلية من نمط إمكانية مساهمة الإنترنت في تضييق محيط الدائرة الإجتماعية للطفل، ومن ثم حصر نطاق علاقاته الإجتماعية في أضيق إطار، من جراء إدمانه على استخدام الإنترنت والإستعاضة بها، وما تقدمه من مغريات مسلية ومفيدة، عن العلاقات الإجتماعية التي يفترض أن ينميها الطفل، الأمر الذي يفقده الكثير من المهارات الإجتماعية، ويجرده من علاقات اجتماعية يحتاجها لتنمية قدراته الإنسانية والفيزيائية في آن.
وعند هذه النقطة الأخيرة، أي البعد الإجتماعي للإنترنت وانعكاساته المحتملة على الأطفال، عرض موقع هيئة الإذاعة البريطانية ملخص بحث قام به مجموعة من العلماء بإشراف البروفيسور ديفيد جوانتليت وليزي جاكسون من جامعة وستمنستر، يخلص إلى القول إن «العوالم الافتراضية الموجودة على الانترنت يمكن أن تكون أداة مفيدة لمساعدة الأطفال في التمرن على ما يتعلمونه في الحياة الفعلية ... وإن هذه العوالم أفضل وأقوى بكثير من تأثير بدائل ترفيهية أخرى مثل التلفزيون». وينقل الموقع على لسان البروفيسور جوانتليت «إن الأطفال تعلموا من نشاطهم التفاعلي مع أطفال آخرين أو ألعاب أو برامج تسلية أو برامج مغامرات أخرى، مجموعة من مهارات التواصل الاجتماعي المفيدة».
والجهود البريطانية في هذه المجالات ليست جديدة، وغير محدودة أيضا، ففي العام 2006، انطلق من بريطانيا، وتحت شعار «تقنية الأفراد والثقافات والمجتمعات»، مؤتمر «الإنترنت والمجتمع»، الذي ناقش الكثير من الموضوعات ذات الصلة بعلاقة الإنترنت وتأثيراتها على الأطفال. ومن بين محاور المجتمع المتنوعة، كان المحور الخاص بالثقافة والتكنولوجيا؛ إذ توقف المؤتمر عند مسألة «تأثيراتَ التقنيةِ الجديدةِ على الثقافةِ والمجتمعِ في البيئاتِ التقليدية خلال السَنَوات الأربعين الأخيرة والتغييرات المثيرة وَتفاعل الناس القوي مع التقنيةِ الجديدة».
في السياق نفسه، سبق خبراء أميركيون زملاءهم الإنجليز بالقول إن «أحد أفضل الطرق لحماية الأطفال من التعرض للمواد الإباحية على الانترنت ربما يكون تعليمهم كيفية حماية أنفسهم. وهم بذلك يتناغمون مع تقرير أصدره المجلس الأميركي للبحوث القومية يؤكد «أن المرشحات وأنظمة المراقبة ومتابعة الأطفال عن كثب يمكن أن تفيد إلا أنه ليس هناك شيء مضمون مئة في المئة».
الفرنسيون يختلفون عن الأميركان والإنجليز، فقد نقل موقع المؤتمر نت ملخص دراستين فرنسيتين تحذران من «حجم المخاطر التي تحيط بالأطفال الفرنسيين حتى سن الـ 15 من جراء الدخول على الشبكة العنكبوتية من دون اللجوء إلى برامج للمراقبة، وذلك بالتوازي مع إخفاق نظام تعليمي حكومي يمنح أولوية خاصة لهذه الفئة العمرية في ضواحي المدن الكبرى ذات الأغلبية العربية والإفريقية».
وأظهرت الدراسة التي أجرتها مؤسسة «ميديامتري» بناء على طلب البعثة الحكومية لاستخدامات الحاسوب الحاجة الملحة لإيجاد فضاء على الشبكة لصالح الأعمار الأصغر من المستخدمين يحظى ببرامج مراقبة. وعلى مستوى المنظمات الدولية أولى الأمين العام للامم المتحدة، بان كي مون، مسألة العنف ضد الأطفال أهمية خاصة وذلك في المؤتمر الاقليمي الثالث لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمناهضة العنف ضد الاطفال الذي عقد في القاهرة في منتصف العام 2007، الذي ناقش عددا من المحاور من بينها أدوات وآليات الإبلاغ عن حالات استغلال الأطفال والانترنت كبيئة آمنة للأطفال.
لكن بعيدا عن كل تلك الدراسات والتقارير، وبغض النظر عما توصلت إليه، على رغم أهميته، أثبتت الإنترنت نفسها كقناة تواصل غير قابلة للإندثار، ومن ثم فمن الأهمية بمكان، لمن يريد أن يستخدمها كأداة تواصل كفؤة، ومنخفضة الكلفة في آن، أن يتقن كيفية توسع نطاق فوائدها، وتقليص دائرة سلبياتها، وخصوصا أنها قد نجحت في تعزيز مكانتها كأداة اتصال وتواصل بين الشباب والمراهقين منهم خصوصا، وبالتحديد في صفوف من يعانون منهم من صعوبات في التفاعل الإجتماعي مع نظرائهم، لأسباب متعددة الكثير منها يعود إلى أسباب اجتماعية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2191 - الخميس 04 سبتمبر 2008م الموافق 03 رمضان 1429هـ
جميل
اعجبني جدا