العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ

احفظوا تاريخ المأتم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مرة أخرى أعيد طرح السؤال من أجل أن تصل الرسالة إلى أصحابها: من المستفيد من إعادة الروح في جثةٍ هامدة؟ ومن المستفيد من الإعداد لندوةٍ أخرى تعيد تناول موضوع غطّاه الغبار منذ عشرين عاما... بعد أن تمخضّت ندوة سابقة عن نتائج مثل العلقم؟ ومن المستفيد من نقل قضايا فكرية ومذهبية خاصة جدا... من نطاق الحوزة الدينية إلى الشارع لتتخذها بعض وسائل الإعلام الحاقدة هزوا ومبرّرا للشماتة والضرب تحت الحزام؟

إن من يتبنى عقد هذه الندوة في السنابس بعدما حدث في عالي، مسئولٌ عن كل ما ستخلّفه من تداعيات أو ما قد يشوبها من صدامات. ومهما قيل عن الجهات الخفية التي تعمل لإشغال الناس وتلهيتهم عن قضايا المال العام والأراضي والمشاركة في صنع القرار، فإن من يدعم إقامة أي ندوة جديدة مسئول ومساءل.

إن من حقّ أيٍّ منا أن يسأل عن مغزى إثارة هذا الموضوع قبيل شهر رمضان المبارك، وما هي الحكمة من ورائه؟ وهل فيه ما يحقّق مصلحة إسلامية عليا؟ وهل المقصود أن يتحوّل إلى حديثٍ للمجالس الرمضانية؟ وهل في مثل هذا الموضوع أصلا ما يدعو للفخر والاعتزاز الديني أو المذهبي أو الوطني؟

في شهر رمضان المبارك، وعبر مختلف مراحل التاريخ البحريني... كانت المساجد والمآتم والحسينيات تفتح أبوابها لتضخّ الوعي ودروس الهدى، حيث يتزوّد الناس بما ينير بصائرهم وينقّي نفوسهم ويزيد يقينهم وإيمانهم بدينهم. والخشية أن يتحوّل بعضها في هذه المرحلة، وبسبب الغفلة والغشاوة وسوء الحسابات، إلى بؤرٍ للنزاعات والصراعات الصغيرة، فيجنّد البعض كل طاقاته لإعلان الحرب على جمعية صغيرة معزولة تعيش على هامش الحياة.

إن أبشع ما جرى في ندوة عالي هو وصول النزاع إلى الضرب والاعتداء الجسدي، في تشويهٍ سيئ وإساءة بالغة لصورة المآتم الناصعة عبر تاريخه الطويل. ومن يصرّ على عقد الندوة في السنابس أو يخطط لندوات متنقلة، لن ينتهك فقط قداسة الشهر وأجواءه الروحانية، بل سيوجّه ضربة جديدة ومتعمدة هذه المرة، إلى «المأتم» كمؤسسةٍ دينيةٍ آمنةٍ تحتضن أشواق وتطلعات المجتمع المتآلف المتواد.

المأتم، تاريخيا، مؤسسةٌ رديفةٌ للمسجد في مجتمعنا المحلي، وعلى مدى أربعة قرون على الأقل، لعب المأتم في البحرين دورا كبيرا في تقديم نماذج عظماء وشهداء الأمة، واستذكار دروس التاريخ، والترويج للفضائل والحثّ على مكارم الأخلاق ونشر قيم التعاون والتكاتف الاجتماعي. وعليه يجب أن لا يسمح الجيل الحالي، بشبابه ورجاله وعلمائه ومسئولي المآتم أنفسهم، بأن يكون أول من ينتهك حرمة هذه المؤسسة التاريخية العريقة، بمثل هذه السلوكات العنيفة والمرفوضة شرعا وذوقا. ولنتذكر أن التاريخ لم ينقل لنا أن أحدا ضُرب في مسجد الرسول (ص) ولا في مجالس الأئمة الكبار.

المأتم مفردةٌ في تاريخنا لم يكن ممكنا تجاهلها لمن درس تاريخ البلد، بل إن الكاتب عبدالله سيف في دراسته التوثيقية لهذه المؤسسة، اعتبرها مدارس ذات مناهج دينية واجتماعية وتاريخية، وأندية توفّر لمريدها فرص اللقاء وتبادل الآراء وتناول مشكلات الناس على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم وفئاتهم. ومن الخطأ الفادح أن يسمح الجيل الحالي بأن يسجّل باسمه مثل هذا العار، في حرمٍ آمنٍ يستمد جلاله من جلال الحسين (ع).

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً