العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ

صوت القوة يهدد صوت الحوار

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يأتون دائما في الليل، حسبما قال لنا جورج أورويل. تصحو من النوم لتجد أناسا يحملون المصابيح ويحيطون بفراشك.

تعود هذه الصورة لتظهر مرة أخرى أثناء فترات التوتر وعدم الثقة حول العالم: المؤسسة السرية التي لا وجه لها تأخذ بعيدا أناسا يجهلون ما يحدث لهم ليواجهوا أوضاعا مرعبة بسبب مظهرهم أو رفضهم الانصياع.

تلقي هذه الصورة بالنسبة الى الكثيرين بظلالها على الخلاف المحيط باعتقال عافية صديقي في يوليو/ تموز في أفغانستان، ثم ظهورها يوم 5 أغسطس/ آب في محكمة في نيويورك. توجه لها تهمة محاولة قتل محقق أميركي بينما كانت في المعتقل في أفغانستان، اذ اعتقلت حسب الادعاءات بسبب تصرفاتها المثيرة للشك ونقلها لمواد يعتقد أنها تستعمل لصنع المتفجرات، وبعض الإرشادات وخارطة تظهر مواقع رئيسية في مدينة نيويورك في حقيبة يدها.

ساد الخوف من أن تكون عافية صديقي، وهي امرأة باكستانية أدرج اسمها من قبل الولايات المتحدة العام 2004 كواحدة من سبعة أشخاص يشتبه بكونهم من تنظيم القاعدة يخططون لهجوم.

اختفت مع أولادها الثلاثة الصغار في كراتشي العام 2003، وعادت للظهور بصورة مثيرة للشك بعد خمس سنوات في نيويورك، وعلى وجهها نظرة جوفاء كتلك على وجوه نزلاء معسكرات الاعتقال.

يبقى ما حصل لعافية صديقي وأولادها أثناء فترة السنوات الخمس لغزا. تدعي أختها فوزية أنها اعتقلت وأخذت إلى معتقل سري من قبل الولايات المتحدة. تنكر الولايات المتحدة أية معرفة بمكان وجودها خلال السنوات الخمس، على رغم أن العديد من الباكستانيين يعتقدون أنها اختطفت وقضت تلك السنوات في سجن سري لمتشددين مسلمين في أفغانستان قبل أن يجري نقلها إلى الولايات المتحدة لمواجهة التهم. يذكرني الخلاف الذي يحيط بهذه القضية بفيلم باكستاني ظهر مؤخرا عنوانه «باسم الله» أخرجه شعيب منصور. يجري اعتقال بطل الفيلم منصور بأسلوب أورويلي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.

يمكن رؤية شخصيته كنموذج للمسلم المعاصر، وكذلك كضحية للنظام. جرى اعتقاله بشكل غير قانوني، واستجوابه بشكل متكرر من قبل السلطات الأميركية («ما علاقتك بأسامة؟») وتعذيبه، في إشارة واضحة لمعسكر اعتقال خليج غوانتانامو.

يعكس الفيلم مخاوف عامة موجودة في العالم هذه الأيام، كالخوف من «الآخر» الشيطاني، الذي قد يكفي لون بشرته واسمه لإلقاء اللوم عليه للتآمر على «العالم الحر».

يمثل منصور سخافات سوء التواصل بين المجتمعات المسلمة والغرب، التي تذكي نيرانها عملية تقسيم العالم على نسق هنتنغتون التي أصبحت موضة، إلى مجموعات تسعى ليس إلى التواصل مع وفهم الطرف الآخر، وإنما لمواجهة الطرف الآخر، مما يؤدي إلى توسيع الفجوة المفترضة بين الشعوب والأمم التي يوجد بينها في الواقع الكثير من الأمور المشتركة.

يثبت فيلم «باسم الله» أن أحداثا كهذه تضع احتمالات التفاهم المتبادل قيد التساؤل وتؤكد على الخلافات بين الـ»نحن» و»هم». لا عجب أن هناك الكثيرين الذين يعتقدون أن الإسلام واقع تحت الحصار.

لم يمض وقت طويل بعد النجاح الكبير لهذا الفيلم في الباكستان حتى ظهرت عافية صديقي أخيرا بشكل علني.

تضيع الحقيقة والعدالة أحيانا في قضايا مثل هذه في الغابة السياسية والقانونية للأجندات المتعارضة، قد لا نعرف أبدا الحقيقة وراء قضية عافية، ولكن صورة أم الأطفال الثلاثة التي تعاني من سوء التغذية والرعب والانهيار ستبقى بين العدد المتزايد من الرموز المستخدمة للحفاظ على صورة القهر والظلم.

هل نستطيع نحن الذين ورثنا إرث القرن الماضي من الأعمال الوحشية، ألا نتعلم من الحروب والنزاعات والتعذيب لأجيالنا الماضية؟ علينا أن ندرك أن الجدل والتكهن والدلائل غير المناسبة المحيطة بقضية صديقي هي بالضبط نوع الأمور التي تدفعنا بعيدا عن آمال التفاهم المشترك.

كم من القصص مثل هذه سوف نشهد نحن الذين نتشارك في الحياة في هذا العالم الصغير قبل أن نقف ونطالب بأسلوب أفضل في التصرف؟

بغض النظر عما إذا تبين أن صديقي اعتقلت في سجن سري في أفغانستان، وما إذا كانت الاتهامات ضدها صادقة، فقد نتج عن الأحداث الأخيرة ضياع الثقة بين الولايات المتحدة وكثيرين من مسلمي العالم.

نحن نواجه أزمة أخلاقية. أبو غريب. خليج غوانتانامو. اعتقالات مرعبة تصيب بالصدمة واختفاءات غامضة. ترحيل المعتقلين بصورة غامضة. ليس هناك حياكات مؤامرات وهمية. هل ستجعل هذه المبادرات التي تجري باسم الأمن، العالم مكانا أفضل حقا؟ أم أنها سوف تساهم بتقسيمه بشكل لا عودة عنه، بسبب غضبنا وانعدام الثقة لدينا؟

الأمر كله في أيدينا.

هل نستطيع أن نبقى صامتين في وجه عمليات تهدد بتقسيم عالمنا وتدعم حوار نزاع عالمي للهويات؟

صوت القوة اليوم أعلى بكثير من صوت الحوار، وكلنا أمل أن يسيطر الحوار في يوم من الأيام على كل من السياسة والمنظور العام. يجب علينا أن ننضم إلى هؤلاء الذين يحاولون هدم جدار الجهل الذي يجري بناؤه بين مجتمعات المسلمين والغرب.

*طالب دكتوراه في النظرية الاجتماعية

والدراسات الآسيوية بجامعة فيتوتاس ماغنوس بليتوانيا،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً