العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ

«حوّام»... من حيث ينطلق الرجال والنساء والحمام

دشن الزميل الصحافي حسين المحروس آخر إصداراته الروائية «حوّام» وسط مفاجأة ذات نمط خاص من اختياره لأحد الكوفي شوبات كموقع لتدشين هذه الرواية، الذي زاره الكثير لتهنئته بصدورها، إذ كان لنا مع المحروس هذا اللقاء على هامش توقيعه لروايته:

كان حفل تدشين روايتك في الكوفي شوب بهيجا، مختلفا، وجنونيا أيضا... من أين جاءت الفكرة؟

- فعلا هو كذلك. تلقيت ردود أفعال إيجابية كثيرة بشأن ذلك، بشأن تغيير النمط الملل، والتحول عن الجمعيات والملتقيات الثقافية والمراكز والبيوت والغاليريهات إلى الكوفي شوب. التحول إلى مكان لا يمكن تصنيفه على جهات آيديولوجية أو حزبية أو فكرية من نوع ما، ولا يخضع لأمزجة أصحابه. لا يخضع إلا لمزاج القهوة والكلام. ولأني أيضا لا أنتمي لأي جمعية ثقافية أو جهة فنية مهما كان نوعها. ولأنّي أخيرا وضعت أكثر مسودات وخربشات رواية (حوّام) في هذا المقهى، ثمّ كتبتها، وراجعتها مرّات عديدة في المقهى ذاته. أردت أن أوجّه إشارة مهمة: أن يبتعد المثقفون والمبدعون عن محاكرهم، ومحاكر الآخرين مع الاعتذار لمربي الحمام (جماعة الشوق) فالمحاكر لديهم تنتج ألفة بين طيور الحمام، تفتح على السماء ولا تغلق. الذين اتصلت بهم أدعوهم للتدشين شعروا بارتياح لأنّه في مقهى وليس في الأمكنة المعتادة. اسألهم لماذا؟

لدي سؤال تقليدي لكن لا بدّ منه. كيف بدأت الكتابة؟ أو كيف تشكلت تجربتك في الكتابة والتصوير؟

- وكيف يحيط الشخص بكل ذلك؟ لو سألتني عن شخص آخر لربما فعلت ذلك بإتقان. سأجيب على بعض منه. أنا ولدت في حي (النعيم) بالمنامة في 21 مايو/ أيار 1964. أمّي توثق ذلك بالتاريخ العربي وتقول إنه يوم التاسع من المحرم. بيتنا جوار البحر أعني عندما كان البحر جوار حينا قبل أن يُرحّل عنا رغما عن مائه! رجاله نجارون و»قلافون»، ونساؤه ربّات بيوت، بارعات في سرد الحكايات، وفتياته على وشك العشق. ممراته وأزقته ضيقه لا تسمح بمرور شخص لا يُعرف. يبدأ يومي منذ الصباح الباكر بالبحر وينتهي بالبحر أيضا ولا شيء في فترة الطفولة غير البحر. ساعتها كان للطفل موهبة الحفر في الماء... البحث عن التفاصيل في رمل الساحل الذي يشبه خد طفلة... رفع الأحجار الخضراء وملاحقة السرطانات الهاربة في عجلة تستفز عينيّ وقدميّ الحافيتين... نشاط يومي ليس فيه دقيقة ملل ولا يسأل الطفل لحظتها: ماذا سأفعل بعد قليل؟ ولا أحد يسأل عنه: أين غاب؟ المكان يبقى والزمان لا أعرفه... المكان يبقى في الذاكرة.

نادي النعيم الثقافي الذي افتتح في الخمسينيات يقع جوار ورش صناع السفن، فيه تلفزيون نهرب إليه ليلا أنا وأخي «رضي» بعد العشاء مباشرة، نستأذن من الأسرة «نريد أن نقضي حاجتنا» فنفر إلى النادي. في الليل يجدنا أبي «الحاج عيسى» في غرفة التلفزيون فيبتسم لنا. هو أحد مؤسسي النادي، يستعير قصصا من مكتبة النادي لنقرأها مثل قصة «شجرة الدر»، وقصة «عبد القادر الجزائري» ذات الأغلفة المتينة الملونة. عرفت كتب القصص بسبب أبي، مثلما عرفت الكثير من تفاصيل سيرة الحي.

في يوم وجدت نفسي عند معلمة الحيّ «بت حسن» هكذا يُغيّب اسم المرأة في الحيّ مرتين: الأولى عندما تنجب ولدا تسمى به «أم فلان» ، والثانية عندما لا تتزوج أو لا تلد فترد إلى اسم أبيها «بت فلان». بيتها في مقدمة زقاق طويل ينتهي بالبحر. هنا عليّ تعلم القرآن الكريم والاستعداد لتقديم بعض الخدمات في بيت المعلمة شأن أي طفل. تعلمت بعض السور في جزء «عمّ».

على الرغم من وجود مدرستين ابتدائيتين حكوميتين في الحي: مدرسة ابن خلدون، ومدرسة النعيم إلا أنّ أبي «الحاج عيسى» يقوم بتسجيلنا في مدرسة السلمانية الابتدائية الإعدادية للبنين. لم نعرف أهداف أبي إلا لاحقا. أذكر التفاصيل الصغيرة في المدرسة منذ الصف الابتدائي حتى الثالث الإعدادي.

في العام 1976عرفت شيئا اسمه التصوير الفوتوغرافي. وهناك قصة طويلة بشأن ذلك.

في الجامعة بدأت أكتب شيئا شبيها بالقصص. قال عنه الدكتور سليمان العطار المختص في أدب الأندلس «إنّه مليئ بطاقة القصّ لكنه ليس قصّة». لا أنسى هذه الجملة أبدا. تجاسرت على نشر نصوص في دوريات مختلفة، منها: مجلة «المواقف»، وصحيفة «أخبار الخليج» كان الدكتور علوي الهاشمي يشرف على الصفحة الثقافية فيها. أرسلت نصوصا لدوريات خارج البحرين فكان الرد يأتيني «نعتذر عن النشر». وأنا أيضا أعتذر عن الاسترسال. ربما هي ملامح سريعة لما طلبت.

من أين تنطلق روايتك (حوّام)؟

- ومن أين ينطلق الحمام الحوّام؟ ومن أين تنطلق النساء الحوّامات؟ الرجال الحوّامون؟ حوّام تنطلق من المنامة، السنابس، النعيم، الزلاق، والبلاد القديم. تنطلق من سطوح المنازل، من حكايات (جماعة الشوق)، من سطوح رضا خميس، حسين المدني، باسم مرهون، وصلاح البندي. تنطلق من المحاكر السياسية، الاجتماعية، والثقافية. من الحوّام الكبرى في مريم، من الحوّام في بدرية التي هي دائما على وشك من أيّ شيء، من عايشة.

عرف المحروس بالطرافة والشعبية في منتوجه فهل هذه الصيغة متفاعلة مع روايته الجديدة؟

- إذا كتبتَ شيئا ولم يمرّ على حواسّك وطبعك فماذا تفعل به؟ الطرافة، والشعبية؟ لا أعرف! اسأل القراء أفضل... أو تدري: لا تسأل أحد.

هل حوّام صدى لروايتك السابقة قندة؟

- لا نستطيع أن نقول أنها صدى. التأويل هو الصدى. ربما فيها امتداد من (قندة)، فيها (عباس) الشخصية الاعتبارية وقد تزوجت ولم يتغيّر شيء فيها. شخصية الخسارة بكل أنواعها: الاجتماعية، والسياسية، والإنسانية أيضا ـ إذا جاز لي تعدادها هنا. فيها الحمام الذي في (قندة). لكن القصة والشكل واللغة هنا مختلفة تماما.

ما هي رسائل حوّام؟ هل تطرق أبوابا سياسية أو اجتماعية؟ أم هي رواية تنزع للتعبير عن الحب والمشاعر؟

- الحياة فيها كلّ ذلك. والرواية - أي رواية - يفترض أن تحكي الحياة.

هل المحروس فرد من أبطال حوّام... وهل حوّام جزء منه؟

- يا ريت! لربما أعدت صوغ شخصيتي بما يلفت مريم نحوي! ولسرقت حمام زكريا منذ بدء الرواية!

هل يغرق المحروس رواياته بالصور والمصطلحات؟ ما رأيك فيمن يقول أن دور القاص التشويق بالأحداث بدلا من الصيغ التعبيرية والجمالية للغة؟

- حين تحتاج إلى الصورة تأتي. أكثر اللغة العربية مجازات وصور. أنت تستعمل مفردة (تغرق) في كلامك بدلا من (يكثر)... هل التفت إلى ذلك؟! دور القاص أو الروائي إعادة سرد الحياة. لا يكتفي بالوصف، ولا يقف عند حده. ليس ثمّة يقينيات، لكن لغة مقلقة دائما. دور الروائي يتجاوز دور المؤرخ بكثير.

العدد 2190 - الأربعاء 03 سبتمبر 2008م الموافق 02 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً