تدين المجتمعات البشرية للرجال الكبار في إحداث التغيير الذي إن وجد له حاضنة ملائمة فإنه يتبرعم، وإلا مات بموت صاحبه. مناسبة هذا الكلام هو دعوة العاهل السعودي مجلس القضاء الأعلى أخيرا إلى بحث إمكانية الإفادة من العلم الحديث في إثبات دخول الأشهر العربية. ولقد كنا متيقنين أن الدعوة ستجد صداها لصدورها من «ولي الأمر» الواجبة طاعته في الفقه المعتمد في تلك البلاد.
وكانت الصدمة بأن اتجاها في هيئة كبار العلماء بدا متعسفا في قبول التغيير، ضدّ اتجاه استوعب القضية فقُمع بالاتهام بـ «قلة الإيمان ونقص التصور»، بحسب تعبير رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي أعلن استمرار الجدل المخجل في الدولة الإسلامية الأمّ بالقول: «هذا (الحساب) لا قبول له في شرعنا، وشيخ الإسلام ابن تيمية له رسائل في ذلك»، وقال: «علماء الأمة المحمدية أنكروا على القائل بالحساب، ورأوا أنه قول شاذ لا اعتبار له»؟!
ولعمري من الذي خوّل آل الشيخ للحديث باسم علماء الأمة الكثر القائلين بصحة الإفادة (وليس الاعتماد النهائي) على الحسابات الفلكيّة؛ لكونها أضحت أمرا مفروغا من اعتباره. وهل استعانة المسلم بالمُعين على الطاعة وتحقيق اليقين والاطمئنان أمر شاذّ يستحق الملامة؟ وهل صار رأي ابن تيمية - بحاجة لدراسة أوسع - معصوما؟ أولم يكن الأولى الاستشهاد بأقوال العلماء الآخرين في الأقطار الأخرى لإثبات أن أمة الإسلام تنكر الحسابات الفلكية. إن تلك التعميمات لن تقنع من خَبَرَ النزاع طوال أكثر من 25 عاما، وصُدم بأن إثبات الأهلة في السعودية خالف حسابات الفلكيين بنسبة 87 في المئة، فإلى متى نظل «أمّة أميّة» في الهلال، ونركض وراء كل جديد غيره؟
العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ