أحد أمراض الحالة البحرينية الانشغال بصغار الأمور عن كبارها في بعض فترات الخمول الاجتماعي، وتضييع البوصلة وتوريط المجتمع في حروبٍ كلاميةٍ ما كان مفترضا أن تُخاض على مستوى الشارع.
تضييع البوصلة كارثة، تقود إلى مزيدٍ من التخبّط والضياع الاجتماعي، وأمام استحقاقات كبرى منسية ومهملة من قبل الزعامات والقيادات الشعبية، تضعف وتتخلف الأجندة في الأوقات الضائعة من حياة الشعوب، التي تستهلكها الصراعات الحزبية الصغيرة.
ما جرى في ندوة عالي، وينتظر تكراره في ندوةٍ يصرّ البعض على عقدها في السنابس أيضا، تدعو إلى الكلام الواضح والمباشر والصريح. فما يجري من «إشغال» للناس البسطاء بهذه المعارك الجانبية، حتى لو لم يكن مقصودا، إنّما يكون على حساب القضايا العامة الكبرى. ومن المهم أن نتساءل: من المستفيد «الأكبر» من مثل هذه الإثارات والندوات؟ من المستفيد من توجيه جموعٍ من الناس ضد مجموعات صغيرة معزولة هنا وهناك؟ وهل بهذه الطريقة تزيد من عزلتها أم تقوّيها؟ وإذا كان هذا الأسلوب القديم نافعا في محاصرتها قبل عقدين، فهل بقي صالحا مع وجود قنوات التعبير المتعدّدة، ووجود أطراف ظاهرة وخفية تطرب وترقص على هذه الخلافات والجراحات للتغطية على ما يجري من تهميش وإقصاء وتلاعب بالمال العام؟
إنه تضييعٌ للبوصلة، يقود إلى زيادة ضياع المجتمع، وتفريطٌ بكل المحاولات والمطالبات لنيل الحقوق والمساواة وحرية التعبير في دولة المواطنة. وهو خطأٌ يرتكبه الكبار، ويدفع ثمنه الصغار... والكلام هنا في السياسة التي تمسّنا جميعا، دون الدخول في المناقشات المذهبية التي مجالها الحوزة وحلقات الدرس الديني.
الإمام الصادق (ع) يقول: «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس»، وفي حديث آخر: «العارف بزمانه لا تهجم عليه النوائب»، ونحن نخرج من نائبةٍ وحربٍ كلاميةٍ لنتورّط في نائبةٍ أخرى، على حساب القضايا الكبرى التي يئن منها الوطن والمواطن، وعلى رأسها سياسات التمييز والإقصاء التي بات لها أنصارٌ وأتباعٌ متنفذون. ولم يعد ممكنا ولا صحيحا السكوت عن مثل هذه الإثارات التي يدفع ثمنها الجمهور.
لست متعاطفا مع هذه الجمعية أو تلك، ولكن ما يحدث أمرٌ غير صحيح على الإطلاق، حين يُسمح لتحويل المؤسسات الدينية الآمنة إلى بؤر صراع حزبي، ينتهي باستخدام العنف والضرب مع هذا التيار أو ذاك. واحتراما لمؤسساتكم الدينية والمذهبية أوقفوا هذه الموجة الغريبة عن طباع وأخلاق أهل البحرين... فما أتعس هذا الجيل، إذ تُستباح على يديه حرمة الأماكن الدينية بمثل هذه الأساليب غير الحضارية.
لست مع هذه الجمعية أو تلك، وأعتبر نفسي مراقبا محايدا، قدر ما تتيحه الطاقة البشرية من حياد، لكن الإصرار على إقامة ندوة أخرى، بعدما تبين ما جرى من استغلال بعض الأطراف المتربصة لندوة عالي، دليلٌ على البعد عن معرفة وتشخيص ما يجري في هذا الزمان.
لا تأخذوا برأينا، بضرورة تعديل اتجاه البوصلة وإيقاف هذه المعارك الخاسرة والصراعات العقيمة، فنحن مجرد كتّاب صحافيين نعيش على الهامش، لا نملك من بضاعة العلم والتقوى والخشوع والزهد شروى نقير، لكن استمعوا لكلمات رسول الله (ص) وهو يوصي صاحبه أبا ذرٍ الغفاري (رض) فيقول: «على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه»
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ