العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ

معارضة وفاق لا عناد

محمد حسين الخياط comments [at] alwasatnews.com

عضو مجلس النواب سابقاً

لكلمة المعارضة في اللغة معانٍ متعددة؛ فتأتي بمعنى المقابلة؛ (وعارضه معارضة: قابَلَه، وعارَضْتُ كتابي بكتابه أَي قابلته)، ومن معانيها السير محاذيا أي بموازاة، (ورجل يُقَرِّبُ فرسا في عِراضِ القوم، معناه أَي يَسِيرُ حِذاءَهم مُعارِضا لهم). ومن معانيها المبادلة؛ (والمُعارَضةُ أَي بيع العَرض بالعَرض، وعارَضْتُه بمتاع أَو دابّة أَو شيء مُعارَضة إِذا بادَلْتَه به)، والمعارضة الإجبار أو الإكراه (والمُعارَضةُ أَن يُعارِضَ الرجلُ المرأَةَ فيأْتِيَها بلا نِكاح ولا مِلْك).، ومن معانيها الامتناع، و (المُعارِضُ من الإِبلِ العَلُوقُ وهي التي ترأَم بأَنْفِها وتَمْنَعُ دَرَّها وتنكب الطرق، وبعيرٌ مُعارِضٌ إِذا لم يَسْتَقم في القِطار. والإِعْراضُ عن الشيء: الصدُّ عنه، ومن معانيها المعاندة: (قال الأَزهري: والمُعانِدُ هو المُعارِضُ بالخلاف لا بالوِفاقِ، وهذا الذي تعرفه العوام، وقد يكون العِنادُ معارضة لغير الخلاف، عارَضَه يُعارضه مُعارَضة وعِراضا). واستخدم علماء اللغة والأدب مصطلح «المعارضات الشعرية» بمعنى المنافسة والتحدي.

قد يكون الجامع لمعنى المعارضة هو المخالفة أوالمغايرة، وربما كان المعنى الأخير أقرب صورة إلى أوضاعنا السياسية، وبالامكان تصنيف المعارضة على أساسه الى صنفين: معارضة بالخلاف، ومعارضة بالوفاق.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية بدأت روح الديمقراطية تدب في شرق أوروبا، وتشكلت قوى المعارضة في تلك الدول التي نجحت في تشكيل حكومات وأنظمة جديدة، وكان لأميركا ومساعداتها المالية اليد الطولى في رسم خريطة جيوسياسية جديدة لشعوب أوروبا، فانضمت دول شرقية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد أن كانت مضمومة في حلف «وارسو» المنهار.

تعدت رياح التغير السياسي أوروبا الشرقية، فطالت دولا في القرن الإفريقي، ولكن أثرها في المنطقة العربية كان بسيطا جدا نسبة إلى الرقعة الواسعة لهذه البلدان. ظلت الدول العربية رهينة المشكلات الداخيلة، وصراع الأحزاب المعارضة التي شاخت على معتقداتها الحزبية، ونظرتها لمفهوم السلطة والمعارضة، فأصيب الشعب العربي جراء ذلك باليأس والإحباط وعدم الثقة بأي قادم جديد، إلا إذا جاء بمشروع حقيقي نابع من ثقافة الناس ومعتقداتهم الأصيلة - لا المستوردة - واستطاع أن يتكيف مع النظام العالمي الجديد.

التغييرات البطيئة أو المعدومة في الساحة العربية هذه يربطها بعض الباحثين في الفكر السياسي العربي بطبيعة الجذور الثقافية العربية، على حين يرى آخرون أن التنشئة الدينية للناس هي السبب في تأخرنا عن ركب الديمقراطية العالمي. لقد اتهم سياسي كويتي في حديث لمحطة «بي بي سي العربية» «قوى المعارضة العربية بأنها جزء من مشكلة الوضع السياسي في العالم العربي والذي ينعكس بدوره على قوى المعارضة العربية نفسها». ولذلك فإنه «يطالب القوى المثقفة والمعارضة السياسية في البلاد العربية أن تفهم طبيعة المتغيرات التي تحدث في المنطقة العربية، وكما تطالب الطرف الحاكم فعليها هي أيضا أن تغير الذهنية والعقل العربي».

وهذه وجهة نظر جديرة بالنظر، إذ إن برامج الأحزاب والجماعات السياسية معظمها جامدة ونظرية، وعدم واقعيتها كانت سببا في تأخر الإصلاح السياسي في بلدانها، أو تأخر تحسن الأوضاع المعيشية للناس على الأقل.

في وقتنا الحاضر يكاد إجماع الناس على أن المعارضة تعني «أي جماعة أو حزب تختلف مع الحكومة ولا تتفق معها في طريقة الحكم بصورة عامة»، وتتمثل المعارضة أيضا في فرد واحد معارض، مثل بعض الشخصيات العلمية والسياسية المعروفة في الوطن العربي. ويطلق مصطلح المعارضة بصورة واضحة على الأحزاب في المجالس النيابية التي تختلف مع الحكومة (الحزب الحاكم) وترغب في الحلول محله.

وأيا كان السبب، فإن الانفتاح السياسي الذي شهدته البحرين وإطلاق الحريات العامة، والمشاركة السياسية خلقت بيئة خصبة للأحزاب والجمعيات السياسية لدخول المعترك السياسي، فشارك البعض في الحياة البرلمانية، على حين فضّل آخرون البقاء خارج الأسوار فصلا تشريعيا واحدا يراقبون التجربة وينتقدون المشاركين، على رغم قناعة بعض القادة، والتصريحات الخجولة أو المستترة بالمشاركة من قبل مراجعهم الفقهية، ثم ما لبثوا أن شاركوا لاحقا. من تبقى من الجماعات السياسية والحزبية اقتصر على العمل داخل أسوار جمعيته، أو في الشوارع أحيانا مع «حزب المعتصمين والمتظاهرين».

وإذا أخدنا بالتعريف اللُغوي الأخير لكلمة المعارضة، فإن المعارضة بالوفاق أفضل من المعارضة بالعناد، وهي تتفق مع الرأي القائل إن المعارضة لا تعني بالضرورة المواجهة، بل هي «رقابة دائمة ومستمرة لأداء الحكومة، تدرس الخطط وتقوّم الأعمال وتنتقد الممارسات التي تتعارض مع القوانين والأنظمة، ومع مصالح الدولة والمجتمع». فهي بهذا تمثل مؤسسة في الدولة والمجتمع وتحد من الممارسة الخاطئة للحكومة، فالمعارضة إن لم تكن عاقلة وموضوعية، وتكن خططها نتاج النظر في الواقع فهي بهذا ربما ستتحول إلى كتلة يابسة لا حراك فيها ولا حياة. ولذلك يرى بعض الساسة أن المعارضة إن لم تكن موجودة، فمن الواجب إيجادها.

بعد جدل ونقاش، ومراجعة للحسابات، حزمت «الوفاق» أمرها ودخلت معترك الحياة النيابية، فشكلت أكبر كتلة نيابية في المجلس، وعلى ظهرها وعودها الثقيلة لجمهورها وبين يديها أجندة أعمالها وآليات العمل لتنفيذ مقترحاتها ومشروعاتها. الوضع البرلماني المعقد، والأطياف المشاركة فيه، والدستور واللائحة الداخلية، عوامل مهمة في اللعبة السياسية، وإن التكيف العقلاني المرن مع هذه العوامل، وبالأخص اللائحة الداخلية أفضل بالتأكيد من جعلها عقبة دائمة للتقاعس وذريعة للفشل.

إن نسبة النجاح يحددها وضوح الأهداف وعدم ضبابيتها، ويحددها توزيع الأدوار بين النواب، لا الارتجال في المواقف، ويحددها الاستغلال الذكي للمواقف والفرص، وتحددها المرونة الواقعية لا التعنت والتشدد، ويحدد النجاح مواجهة الجمهور بالحقائق وعدم الخضوع إلى «ضغط الشارع».

هذا نجاح على الصعيد البرلماني فقط، وثماره ليست آنية، فمهما كانت القوانين واضحة وسهله الفهم، فإنها تحتاج إلى وقت طويل لكي تكون موضع التنفيذ. إن التعامل مع السلطة التنفيذية لا يمر من خلال مجلس النواب فقط، وهموم المواطن ومشكلاته لا يحلها البرلمان فقط، وتحسين أوضاعه المعيشية لا تصده بوابة مجلس النواب، فالأدوات كثيرة، وقنوات الاتصال متوافرة، ولن يعدم السياسي الناجح وسيلة لتحقيق أهدافه، ومعارضة «وفاق» أجدى وأنفع للناس من معارضة «عناد»، ومن «كان مع الله كان الله معه»

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين الخياط"

العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً