«اللهم اني أسألك صدق التوكل عليك، اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته، اللهم دبرني فإني لا أحسن التدبير».
دعاء من القلب إلى القلب أهدتنيه أختي الحبيبة أم سارة، وطلبت مني أن أوصله إلى من أحب، ولن أجد أغلى من جمهور «الوسط» لأهديه هذا الدعاء.
أن نسأل الله صدق التوكل عليه لهو أصعب درجات الإيمان، فالتوكل على الله ليس باللفظ وبحركات اللسان، وإنما إحداث النية في التوكل عليه في أمور الحياة بخيرها وشرها، ولن يستلذها العبد إلا إن استشعرها في فكره وروحه وسائر حواسه.
وأن نسأل الله بأن يجعلنا ممن توكل عليه فيكفينا لهو أعظم التوكل، حيث ان الانسان عندما يكتفي من الرب لا يطلب من مخلوق شيئا، وهنا تدخل عظمة الخالق في خلقنا أحرارا.
وأن يدبّرنا فإننا لا نحسن التدبير، فهو أعظم مدبِّر لشئون البشرية وأفضل مخطط لما فيه خير لنا ولغيرنا، فالتدبير عنصر ليس سهلا في حياتنا، ولذلك طلب التدبير من الرب في شئون نحتار منها أو نستعظمها، تجعلنا نخطو في الدرب الصحيح.
كم من عائلة فقدت إنسانا غاليا على قلبها، وكم أب بكى ليالي وليالي مرارة على فقد ابنه أو ابنته، وكم ولد قام الليل يدعو لوالده الميت ولوالدته المريضة، فكلنا نحتاج الى التضرع للرب في تفريج همّنا وتسهيل كربتنا.
فلولا الدعاء ولولا القرب بين الرب والعبد، لصارت الحياة باهتة لا همّ فيها ولا فرح، ولو اختلفت الديانات فإنك لا بد أن تجد ربك الذي تتضرع إليه.
لقد ضربت لي «أم سارة « أروع المثل في تطبيق هذا الدعاء، حيث انها فقدت حب الزوج وحنان الأم وظلّ الأخ في آن واحد، حين توفي عنها زوجها بعد عِشرَة ثلاث سنوات في حادث مروّع، وما ان شفي قلبها قليلا من هذا الألم المرير حتى توفيت والدتها بعد أربعة أشهر من فقدان الزوج.
ثم توالت المصائب على «أم سارة « عندما أخبرها أخوها عن إصابته بمرض السرطان القاتل، فما كان منها إلا الصبر والشكر على هذه المصيبة الجديدة التي طرقت أبواب الحزن في قلبها.
وكم كانت مفاجأتها عظيمة عندما أخذت المنيّة أخاها السليم الذي لا يشتكي من أي مرض...
وما كان إلا عشرة أيام ليطرق ملك الموت مرة أخرى الباب، فيقبض روح أخيها المريض منهيا عذابه وصبره، وما كان من «أم سارة» الا الصبر والشكر على المصيبة وذكر هذا الدعاء مرارا وتكرارا.
إذ إننا بشر ونحتاج الى من يداوي جراحنا، سواء كان في الموت أو في ألم المشاعر، أو حتى في أوقاتنا القليلة من فترات السعادة التي تنقضي كالضوء.
فلنحفظ هذا الدعاء ولنستشعره ولنستفد منه، ولنعلم بأن الأيام قصيرة والدنيا تدور ودوام الحال من المحال، فلنغتنمها في طاعة الله والتوكل عليه في القول والعمل، وليكن ما نلفظه وما نفعله خالصا لوجهه الكريم
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ