ليس مستغربا أن يتلوّن أي مجتمع بحسب جذور فئاته ومكوناته، بل على العكس؛ ذلك أن التنوع الطبيعي يغني المجتمعات، تماما كما أن الحديقة التي تحتوي على زهور متنوعة أجمل من الحديقة التي تحتوي على نوع واحد فقط من الزهور. هذا التلوين المجتمعي محمود، بل إنه محبذ، ويمكن الافتخار به، والترويج له عبر إفساح المجال في القنوات المرئية والمسموعة لانطلاق مختلف اللهجات والعادات، وعبر تدريس تاريخ المكونات المجتمعية وجذورها وطرق اندماجها في النسيج العام. هذا النوع من التلوين لا يضر، بل إنه يعزز الحالة الوطنية ويغنيها معرفيا ويفسح المجال لفرص عدة يستفيد منها الجميع. ففي نهاية الأمر سيبقى الجميع - في الدولة الدستورية - متساوين أمام القانون ويحاسبون بشكل شخصي على ما اقترفوه، أو يكافأون على جهودهم من دون تمييز بسبب جذور انتماءاتهم.
غير أن هناك تلوينا سياسيا مضرا للمجتمع، هو التلوين السياسي الذي تتبعه قرارات تخص توزيع العطاء أو منعه، أو التضييق أو التوسيع... هذا التلوين ليس فقط في جانب الدولة، فحتى المعارضة تستخدم التلوين السياسي من أجل الاستحواذ على أصوات فئة كاملة من المجتمع، والفئات المجتمعية ربما لا يمكن لومها؛ لأنها قد تتحرك في هذه الحالة على أساس أنها طائفة أو قبيلة تحاول المحافظة على نفسها في جوّ محموم ربما يستهدف وجودها أو الاستنقاص من العطايا التي تحصل عليها.
تختلط الخطابات في هذا النوع من التلوين السياسي... فقد تسمع وتقرأ لمن يدافع عن الدولة، ولكن هذا الدفاع على أساس أن الدولة ملك خاص لمجموعة معينة تستفيد من العطايا بحسب أعراف وتراتبية معمول بها على أرض الواقع. وفي هذه الحالة، فإن الدفاع عن الدولة يعتبر في الوقت ذاته دفاعا عن لون سياسي له حظوة. والعكس أيضا صحيح، فسترى أيضا أن هناك من يناكف الدولة على الدوام، بغض النظر عن إذا ما قامت به الدولة كان صحيحا أو خطأ.
إن ما نحتاج إليه ليس إزالة ألوان الطيف المجتمعي، وإنما عدم تخصيص الدولة للون واحد أو لونين وإبعاد الآخرين. فالدولة يجب أن تكون ملكا للجميع من دون استثناءات. وعلى هذا الأساس يصبح الجميع تحت القانون، ولا يوجد خطٌّ أحمر يمنع تطبيق القانون على أي شخص.
إن ما ينبغي الإشارة إليه أيضا هو أن الخطأ لا يبرّر الخطأ، فلو افترضنا أن هناك من أصحاب القرار في الدولة من يمارس الخطأ عبر تلوين المجتمع لأهداف سياسية، فإن ذلك لا يبرّر بأي شكل من الأشكال لمجموعة سياسية تنشط من أجل إصلاح الأوضاع أن تتخذ من هذا التلوين السياسي منطلقا لها في الحياة العامة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2189 - الثلثاء 02 سبتمبر 2008م الموافق 01 رمضان 1429هـ