أستعير العنوان السابق من المفكر الإسلامي محمد العوا في كتابه القيم بالعنوان المذكور. ولقد سعدت بأن اصطحبني الصديق السفير البحريني كريم الشكر الذي عرفته على مدى أكثر من ربع قرن عبر عملنا الدبلوماسي في الأمم المتحدة وفي الصين وعبر لقاءاتنا وتعاوننا في دهاليز المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر دول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وكان تعاوننا في غاية الشفافية إيمانا بعروبتنا وبإسلامنا وبتعاوننا كإخوة في العمل الدبلوماسي من أجل وطننا (مصر أو البحرين) في إطار أمتنا وقوميتنا. ولم أعرف ولم أهتم هل كريم الشكر سني أم شيعي، وما قيمة ذلك بالنسبة إلى دبلوماسي بحريني متميز، كذلك عرفت عددا من الدبلوماسيين البحرينيين مثل السفير الوزير محمد عبدالغفار والسفير مصطفى كمال والسفير سعيد الفيحاني والسفير زهير منديل والسفير محمد المحميد والسفيرة بيبي العلوي وغيرهم كثيرون، ولم تتبادر إلى ذهني أية فكرة عن أي منهم سوى أنه دبلوماسي بحريني ذو كفاءة عالية.
أعود إلى القصة الأصلية... أبلغني كريم الشكر أن عم الدبلوماسي القدير زهير منديل توفي فقلت له: لابد أن أذهب للعزاء، وبالفعل ذهبنا سويا وبعدها اصطحبني كريم الشكر في أحياء المنامة القديمة حيث الأزقة الضيقة والبيوت التي تنم عن قرب مكاني وتجاوز يكاد يكون تلاحما بشريا وتقاربا وجدانيا، وأخذ يعرفني؛ هذا بيت كانو وهو سني وهذا بيت العريض وهو شيعي وهذا بيت فلان سني وعلان شيعي كانوا متجاوزين متحابين يتزاورون يتزاوجون من بعضهم البعض.
قلت له: وماذا حدث؟ قال قامت الثورة الإيرانية وبدأت تفاعلاتها في المنطقة ثم جاء رد فعل مضاد بالدعوة السلفية وبدأ الحشد الطائفي. فأبديت أسفي الشديد وقلت له: إنني تربيت في مصر - التي يعرفها كثيرون من أهل البحرين - لا نعرف سنة ولا شيعة فنحن سنة وشيعة في آن واحد نحب أهل البيت، وزوجتي من الأشراف وهم أيضا بدورهم لا يعرفون سنة ولا شيعة، فنحن جميعا مسلمون نحب الصحابة جميعا أيا كانت أخطاء هذا الصحابي أو ذاك، فهذا عصر انتهى ولا ينبغي أن نعيش في الماضي بحلوه أو مره، نتحدث عن الخلفاء الراشدين بعدالتهم وتقواهم جميعا، ونتحدث عن معاوية بن أبي سفيان وتحويله الخلافة إلى ملك عضوض، ولكننا لا نحوله إلى شيطان فهو أحد كتَّاب الوحي للنبي الكريم (ص).
وقد قرأت الكثير من تاريخ نشأة الإسلام ومع احترامي الشديد للبعد الديني والروحي فإن البيوتات القرشية وبيوتات مكة والمدينة (يثرب) كان بينها تنافس شديد على الريادة والسيادة والسلطان، ولكن الإسلام آخى بين الجميع، واعتبر أن من دعا إلى العصبيات إنما هي دعوة إلى فكر الجاهلية وسلوكها، لأن الله ألَّف قلوب المسلمين جميعا متجاوزا العصبيات كافة.
ولكن الفتنة أطلت برأسها وتصارع المسلمون نتيجة حساسيات وعودة الصراع السياسي القبلي الذي غلفوه باسم الدين، وقد كانت نشأت الدولة الأموية والعباسية والفاطمية وغيرها من الدول، وتعمقت المذاهب وتعززت الفتنة والصراع السياسي وكل ذلك باسم الدين انتصارا لهذا الشخص أو ذاك، وتحول الإسلام إلى طوائف وفرق وشيع، واتهم كل فريق الآخر بالمروق والكفر، وهكذا أخذ بعضنا برقاب بعض. إن هؤلاء الفلاسفة والفقهاء والسياسيين هم أحد الأسباب الكبرى لهذا الخلاف والصراع.
عاش العراق ولايزال الصراع الطائفي البغيض الذي فجره الاحتلال الأميركي، كما أن لبنان كان على شفا حرب أهلية طائفية، دول أخرى بها احتقان طائفي... وعودة لكتاب العوا «إسلام بلا مذاهب» لنقول إن أهم ميزة للإسلام هو البساطة، إنه قول الشهادتين وأداء الفرائض وهي بالغة السهولة واليسر، بعيدا عن فذلكة الفقهاء والخطباء ورجال الدين، أيا كانت مذاهبهم وأيا كان علمهم فلهم كل التقدير والاهتمام، ولكن محمد بن عبدالله لم يتخرج من تلك المدارس الدينية، بل كان إنسانا أميا عربيا، آمن بالله فهداه الله وجعله نبيا مباركا، يهدي للحق بلا تعالٍ، يدعو إلى الإخاء والمساواة، يسامح من يتجاوز، وكان بجواره يهودي يلقي يوميا على منزله القاذورات، وفي ذات يوم لم يجد الرسول (ص) القاذورات على منزله فسأل عن اليهودي فوجده مريضا. فقام بزيارته للسؤال عنه. طرد أهل مكة محمد بن عبدالله (ص) وعندما عاد إليهم فاتحا منتصرا قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. لم يأخذهم أسرى ولم يقتلهم ولم يطالبهم بالقصاص لجرائمهم ضده في الماضي وحروبهم، إننا نسمع عما يسمى بالمصالحة بين النظام وخصومه في المغرب، وهذا شيء إيجابي، ولكن سلوك النبي كان ساميا ومتعاليا عن ذلك كله ولنا فيه أسوة حسنة، إننا نسمع عن رغبة في الانتقام من هذا المسئول أو ذلك في عهد مضى لجرائمه أو أخطائه.
كأن دافعنا هو الانتقام وليس العدالة، وليس الرضا، وليس التسامح. إن التساؤل المستمد من المثل العربي اللبناني، هل ترغب في قتل الناطور أم في أكل العنب؟ أقول: أيها المسلمون جميعا أيا كانت مذاهبكم وأيا كانت معاناتكم هلم إلى كلمة سواء نؤمن بالله ورسوله ولا نفرق بين أحد من رسله. نحترم صحابة الرسول (ص) جميعا وأهل بيته جميعا بلا تفرقة، يحترم بعضنا بعضا، نبتعد عن الحشد الطائفي وعن توجيه اللوم، وكما ورد عن السيد المسيح (ع) «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».
لقد قرأت في إحدى الصحف عن 400 حالة زواج جماعي من الشيعة وإن الذي تكفل بنفقات الحفل هو عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، جريدة الوطن مقال عقيل سوار 13 مايو/ أيار 2008. وأتساءل: كم من الناس يعرف هذه الحقيقة؟ إنني لو كنت من قادة الشيعة أو قادة السنة أو أي مواطن عادي لنشرت في الصحف الشكر الجزيل لحاكم البلاد على هذه اللفتة الكريمة لزواج أبناء وبنات الوطن وتحويلهم إلى محصنين ومحصنات. إن نشر هذه الحقائق يزيل الأحقاد ويخفف الشحن الطائفي، أما إخفاء ذلك فليس في صالح الوطن وتعزيز لحمته. كما أتساءل: لماذا نفكر دائما بالمنطق السلبي ولا نفكر بالمنطق الإيجابي؟
تحية إلى كل مسلم شيعي أو سني، وإلى كل مواطن بحريني أيا كان مذهبه أو دينه. شعرت بإعجاب شديد لذكاء القيادة البحرينية في اختيار يهودية لتكون سفيرة البحرين في واشنطن، ومثل هذا القرار بالغ الذكاء أيا كانت المحاذير المرتبطة، فهي مواطنة بحرينية وستدافع عن البحرين كأي مواطن. إن وزير خارجية لبنان دائما مسيحي وفقا لتقسيمهم الطائفي، وأشهر وزراء خارجية العراق طارق عزيز كان مسيحيا وكثير من المناصب المهمة في مصر يتولاها مسيحيون ومنهم وزير المالية الحالي وغير ذلك. إن رئيس وزراء الهند من طائفة السيخ وهم أقلية، ورئيس الجمهورية كان مسلما أكثر من مرة ونائب رئيس الجمهورية حاليا مسلم، وكان وزير الدولة للشئون الخارجية مسلم في مرات عدة... إنه مواطن.
إن مفهوم المواطنة هو الأهم والأبقى، ولكن المسئول الذي يتولى موقعا يدافع عن بلاده أيا كانت طائفته أو دينه أو مذهبه، هل يمكن العودة للإسلام بلا مذاهب؟ إن ذلك فيه خلاص النفوس ونقاء الإسلام وصفاؤه، بل يمكن القول إنه من الضرورة العودة لمفهوم المواطنة فالدين لله والوطن للجميع وعلى رجال الدين الاهتمام بشئون الدين وترك السياسة للسياسيين ولهم كل الاحترام والتقدير
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2188 - الإثنين 01 سبتمبر 2008م الموافق 29 شعبان 1429هـ