أصدر مركز دبي المالي العالمي تقريرا حيويا عن مدى مطابقة الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء في الوقت الحاضر مقارنة مع شروط الاتحاد النقدي الخليجي. وبين المركز بأنه سيقوم باستصدار تقارير دورية ترصد مدى استعداد دول المجلس لتطبيق الاتحاد النقدي. ويتميز التقرير بالشمولية في معالجة أحد أكثر المشاريع التكاملية طموحا وتعقيدا وربما مثيرا للجدل. وخير دليل على زعمنا بأنه مثير للجدل هو خروج عُمان من الاتحاد النقدي الخليجي في نهاية العام 2006 أي قبل أربع سنوات من إطلاق المشروع.
بداية نرى لزاما الإشارة إلى شروط الاتحاد النقدي والتي تتقرب من المعايير الموضوعة في اتفاقية الاتحاد النقدي بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو. يشار إلى أنه ليست كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعددها 27 تتمتع بعضوية في منطقة اليورو. المعروف أن بريطانيا قررت عدم التخلي عن عملتها الوطنية (الجنيه) وعليه عدم تبني اليورو وذلك في إطار قرار سيادي على رغم توافر الشروط الضرورية للانضمام للمشروع الوحدوي الأوروبي.
شروط الاتحاد النقدي
يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي فضلا عن ضمان بعدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي التأكد من عدم ارتفاع مستوى التضخم لأي دولة عن متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المئة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
من جملة الأمور، لاحظ التقرير عدم وجود مشكلات في الوقت الحاضر على الأقل فيما يخص استيفاء الدول للشروط باستثناء معيار التضخم فيما يخص قطر والإمارات. كما سجل التقرير تأخر الإمارات في توفير بعض الإحصاءات مثل الحساب القومي للسنة المالية 2007.
أما بشأن التضخم فتبين أن المتوسط بلغ 6,91 في المئة في العام 2007. وتقتضي الشروط عدم ارتفاع مستوى التضخم عن المتوسط زائد 2 في المئة أي 8,91 في المئة كحد أقصى. وعليه تبين أن معدل التضخم فاق هذا الرقم في كل من قطر والإمارات؛ إذ بلغ 14 و 12 في المئة على التوالي.
تراجع المديونية
كما أكد التقرير عدم وجود مشكلات تتعلق بالدين العام في أي من الدول الأعضاء. بل تقوم حكومات دول المجلس بتقليص مديونياتها مستفيدة من تعزيز العوائد النفطية. يساهم القطاع النفطي بأكثر من ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة في كل دول المجلس. كما ساهم ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة في تسجيل فوائض في الموازنات العامة. تتبنى دول المجلس سعرا محافظا لمتوسط أسعار النفط ضمن توجه اقتصادي (تبنت البحرين متوسط سعر قدره 40 دولارا لبرميل النفط للسنة المالية الجارية أي أقل بكثير من الرقم السائد في الأسواق النفطية).
إضافة إلى ذلك، تتمتع كل الدول الأعضاء باحتياطي مالي يغطي قيمة واردات لفترة أربعة شهور. تحتفظ البحرين بأقل نسبة؛ إذ يشكل الاحتياطي قيمة واردات لفترة 4,42 من الشهور مقارنة مع أكثر من 8 شهور فيما الكويت. كما تستوفي الدول الأعضاء معيار الفائدة نظرا لارتباط جميع العملات - باستثناء الدينار الكويتي - بالدولار ما يعني استيراد معدلات الفائدة السائدة في السوق الأميركية.
توصيات مفيدة
بدورنا نتفق مع ما جاء في التقرير بضرورة تنفيذ دول مجلس التعاون لعدة توصيات جوهرية. تشدد التوصية الأولى على أهمية كبح جماح ظاهرة التضخم. وقدم التقرير شرحا موفقا فيما يخص المتغيرات المتعلقة بهذه الظاهرة وذلك في ضوء تراجع قيمة الدولار وتعاظم دور بعض الاقتصادات الأخرى وخصوصا الصين (أوقفت الصين ربط عملتها الوطنية بالدولار الأميركي في صيف العام 2005).
وتتعلق التوصية الأخرى بتعزيز القدرات الإحصائية وتأكيد نشرها في تواريخ محددة من دون تدخل من الجهات الرسمية. وتشدد التوصية على نشر مجموعة من البيانات والإحصاءات المالية والاقتصادية بشكل متناسق وقابل للمقارنة. كما نرى صواب الدعوة بوجود اتفاق على بعض التعريفات والمؤشرات مثل مؤشر قياس أسعار المستهلك لضمان عدم وجود أي نوع من سوء فهم.
وشددت التوصية الأخرى على أهمية تطوير البنية التحتية للقطاع المالي بين دول المجلس بما في ذلك الأمور القانونية والتنظيمية بشفافية كاملة. وفي نهاية المطاف ستساعد هذه الخطوات في ربط الأسواق مع بعضها الأمر الذي يخدم تطلعات المستثمرين.
مأخذ على التقرير
من جهة أخرى، يعاني التقرير من قصور نظرا لاعتماده على مصادر ثانوية من دون إجراء بحوث ميدانية. على سبيل المثال، يزعم التقرير بأن معدل التضخم في البحرين هو 3,3 في المئة فقط أي الأدنى بين دول مجلس التعاون الخليجي. بيد أنه لا يمكن اعتبار هذا الرقم صحيحا جملة وتفصيلا. ذكر لي مصدر مطلع بأن معدل التضخم عندنا قد فاق 10 في المئة في الآونة الأخيرة على خلفية ارتفاع أسعار المواد التموينية ومواد البناء والخدمات.
ختاما يمكن الزعم بأن دول المجلس مصممة لتهيئة البينة التحتية لمشروع الاتحاد النقدي ولو بشكل خجول. وكان محافظو البنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي قد قرروا خلال اجتماع استثنائي في شهر يونيو/حزيران الماضي في الدوحة تدشين مجلس نقدي في العام 2009 والذي بدوره يعد نواة لبنك مركزي تماما كما حدث مع مشروع الاتحاد النقدي بين دول الاتحاد الأوروبي. ومن المنتظر أن يجتمع محافظو البنوك المركزية مرة أخرى في مدينة جدة بغرب بالمملكة العربية السعودية في شهر أيلول/سبتمبر الجاري أي خلال شهر رمضان المبارك لدراسة جملة من القضايا ومن مشروع الاتحاد النقدي.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2188 - الإثنين 01 سبتمبر 2008م الموافق 29 شعبان 1429هـ