العدد 2187 - الأحد 31 أغسطس 2008م الموافق 28 شعبان 1429هـ

مِن جَوْف التعقيد يكسبُ الإيرانيون معاركَهم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أحوال «النووي الإيراني» تضيع البدايات وتختلط النهايات. فالموضوع ليس تقنيا محضا وإلاّ لما دفع الأميركيون بوليام بيرنز لحضور اجتماع جنيف مع سعيد جليلي في يوليو/تموز الماضي. كما أنّ الموضوع ليس سياسيا محضا، وإلاّ لما عُلِّق المعلّق وأجّل المؤجّل في موضوع التخصيب ورفضه ثم القبول بالتجميد.

في إدارة هذا الملف يبدو أنّ الفريق الإيراني المفاوض لديه من التفويض السياسي ما يكفي؛ لكي يقول «لا». وأيضا لديه القدرة على الصبر والعناد الكافيين؛ لكي تذهب المفاوضات نحو سقوف أعلى، وأدني من التنازلات.

خلال المؤتمر الذي عُقِد بجنيف قدّم الإيرانيون تصوّرا مقابلا للحوافز الأوروبية القائمة على «تجميد مقابل تجميد» وسرّبته صحيفة نيويورك تايمز. التصوّر لا يحمل أفقا لحل المسألة النووية فقط، وإنما هو يسعى إلى اتفاق شامل بين إيران والغرب لكنه معقّد ويسير على وتيرة «تضييع عقارب الساعة».

قال الإيرانيون: إن أفكارهم يُمكن بسطها على ثلاث مراحل تعقبها مرحلة خاتمة. هذه المراحل تتطلب سبع جولات من المباحثات. المرحلة الأولى أطلقت عليها طهران اسم «المباحثات الأوّلية»، والمرحلة الثانية بـ»بدء المفاوضات»، والمرحلة الثالثة بـ»التفاوض».

في بحر المرحلة الأولى وهي المفاوضات التمهيدية يحتاج الطرفان إلى ثلاث جولات تجمع المفاوض الإيراني وخافير سولانا بالإضافة إلى ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا. وفي عنق هذه المرحلة تكون الأطراف قد تثبّتت من الظروف والحيثيات التي تحكم المرحلة التالية.

وهي لن تخرج عن الاتفاق على صيغة الجداول الزمنية وجداول أعمال المفاوضات للمرحلة التالية التي ستُبْتَنَى على مشترك العرضينِ الأوروبي والإيراني، وأيضا الاتفاق على الموعد المضروب؛ لبداية المرحلة المقبلة.

في المرحلة الثانية التي أطلِقَ عليها «إيرانيا» بـ «بدء المفاوضات» تنتقل المباحثات إلى مستوى دبلوماسي أعلى يحمل الشكل الوزاري، ويتوازى معها التزام الطرفين بوقف أية «إجراءات تصعيدية أحادية الجانب أو جماعية من شأنها أنْ تعيق مسار التفاوض» كما في النص.

وبحسب الورقة الإيرانية فإنّ هذه المرحلة تتطلب أربع جولات من المباحثات يضطلع بها وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووزراء خارجية الدول الخمس بالإضافة إلى ألمانيا وممثل عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ تنتهي ببيان مشترك يتضمن سيرة التفاوض.

وبما أنّ هذه المرحلة هي الرابط بين الإشكالات الأوّليّة العالقة وبين نهايات مراحل التفاوض؛ فإنها ستبدأ في حلحلة القضايا محل الاتفاق، أو التي يشترك فيها الطرفان، والتي أعتقد بأنها ستتضمّن نواحي تقنية وسياسية.

في المرحلة الثالثة والأخيرة والتي سُمّيت بـ «التفاوض» يبدأ الطرفان في تسمية المسارات التي تُؤدي بهما إلى اتفاق شامل عبر لجان متخصصة يُشكّلها الطرفان وتسير على وتيرة المرحلتين السابقتين.

وفي ختام هذه الجولات السبع من المراحل الثلاث تنتقل الأطراف إلى المرحلة الخاتِمة وهي عبارة عن جولة لا تزيد مدتها عن شهرين قابلة للتمديد بهدف وضع الاتفاق المتبادل قيد التنفيذ والإجراء.

المهم من كلّ هذا التعقيد في التفاوض بالصيغة الإيرانية هو أنّ هذا التصوّر يتضمن إشارات تفيد الجانب الإيراني بشكل مطلق من دون أن تُعطي الغرب أية قيمة سياسية أو تقنية، الأمر الذي سيجعلها مرفوضة من الجانب الغربي.

فهي أوّلا تطلب إخراج الملف النووي الإيراني من أروقة مجلس الأمن، ومن مجلس الحُكّام بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمُكوّن من خمسة وثلاثين عضوا، على أنْ تبقى الوكالة ورئيسها هما المعنيان بظروف الملف النووي الإيراني.

كما يشترط التصوّر الإيراني إلغاء العقوبات الدولية التي فُرِضت على طهران بسبب برنامجها النووي وهي القرار 1696 (صدر في أغسطس/ آب 2006) والقرار 1737 (صدر في ديسمبر/ كانون الأوّل 2006) والقرار 1747 (صدر في مارس/آذار 2007) والقرار 1803 (صدر في مارس 2008) دون أن تُوقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم.

بطبيعة الحال وبحسب الفهم الإيراني فقد ذيّل التصوّر بفقرة هلامية تقول: إن إيران «تنفذ الإجراءات التي تم التوصّل إلى اتفاق بشأنها» لكنه يُحجم على إظهار أو تبيين هذه الإجراءات أو حتى الإشارة إلى طبيعتها.

وإذا ما تمّ الرجوع إلى الخطاب الذي بعثه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متّقي للمنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي خافير سولانا والمتضمن المقترحات الإيرانية يُمكن قراءة مشهد أكثر عمومية في الخطاب بحسب ما نشرته صحيفة أمروز (اليوم) الإيرانية في السادس والعشرين من مايو/أيار الماضي.

فخطاب متّقي تضمّن عددا من المحاور الرئيسية أبرزها القضايا السياسية والأمنية. حيث ركّز هذا المحور على الحوار ودعم الاستقرار والسلام العادل ونشر الديمقراطية في العالم والمنطقة على أساس احترام حقوق الشعوب ومصالحها القومية، والمساعدة على تحقيق السيادة القومية للدول طبقا لاتجاهات ديمقراطية، بالإضافة إلى الحيلولة دون نشوب الصراعات والحروب والقضاء على الإرهاب.

أمّا فيما يتعلّق بالقضية النووية فقد تضمن الخطاب الرغبة في تحقيق مزيد من الاطمئنان بشأن عدم وجود مخالفات نووية من جميع الدول ونزع السلاح النووي، وإنشاء مراكز تخصيب وإنتاج الوقود النووي في عدّة مناطق من العالم ومنها إيران، وتدعيم قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة النشاطات النووية في جميع دول العالم.

وإذا ما عُلِمَ أن الإيرانيين يُعقّدون الأمور في هذا الملف بغية الحصول على ظروف أكثر حيوية وملاءمة لتحقيق انتصارات أكبر وتقليل التنازلات، فمن غير المعقول ألا يسعوا إلى تحقيقها (أي تلك الظروف) أو على الأقل الدفع نحو إيجاد إرهاصاتها.

فتوتير أسعار النفط وإيجاد فجوة في العلاقات الدولية بين الأطراف الأكثر فاعلية وقوّة لهو أمر في غاية الأهمية لتحقيق الهدف الإيراني. وربما أشرت في مقال سابق بأنّ موضوع الدرع الصاروخي الأميركي في بولندا والتشيك قد ساهم الإيرانيون في التسريع نحو تحقيقه عبر تجاربهم الصاروخية بهدم توتير العلاقة بين الغرب وروسيا.

وبالتالي فإنّ إطالة أمد التفاوض وانتظار أفضل الظروف مع وجود مساعٍ إيرانية مزدوجة لخلق تلك الظروف هو الشكل العام الذي يحكم الملف النووي الإيراني. وربما جاءت أزمة القوقاز الأخيرة بين روسيا وجورجيا دليلا على ذلك

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2187 - الأحد 31 أغسطس 2008م الموافق 28 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً