العدد 2187 - الأحد 31 أغسطس 2008م الموافق 28 شعبان 1429هـ

حصار غزّة... بارك الله فيكم!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

آخر التقارير الصحافية الجميلة الواردة من أحد البلدان العربية الكبرى، أنّ أجهزة الأمن شمال سيناء تمكّنت خلال الشهر الماضي من ضبط 30 نفقا على الحدود مع غزّة؛ أي بمعدل اكتشاف نفق واحد يوميا!

مصادر أمنية قالت: «إنّ عدد الأنفاق التي عثرنا عليها منذ بداية العام وصل إلى نحو 197 نفقا، ومازالت هناك عشرات الأنفاق الأخرى نقوم بالبحث عنها»، وبعملية حسابية بسيطة، يتم كشف 25 نفقا شهريا تقريبا، وهو ما يستدعي جهودا كبيرة بطبيعة الحال.

هذه الأنفاق كما في التقارير، تستخدم في «تهريب السلع والمواد الغذائية والأدوية وحليب الأطفال والملابس وقطع الغيار والوقود. وقد ازدهرت خصوصا بعد تشديد الحصار على قطاع غزّة في العامين الماضيين، حيث أصبح مليون ونصف مليون فلسطيني، يعيشون ظروفا معيشية بالغة السوء. والمصادر الأمنية المصرية اعترفت بمصادرة كميات كبيرة من السلع الغذائية والوقود والسجائر داخل هذه الأنفاق، كما عُثر على مضخات وأنابيب بلاستيكية تستخدم في ضخّ الوقود من الجانب المصري إلى الجانب الفلسطيني. ولأنّ كل ذلك «التهريب» مخالفٌ لمواثيق وقوانين الأمم المتحدة، ولقرارات مجلس الأمن وللجنة الرباعية وإرادة المجتمع الدولي... فإنّ ما تم تحقيقه عربيا من إنجازات في مجال تتبّع الأنفاق وكشف خريطتها وهدمها، في فترةٍ قياسية، كلّ ذلك يدعو للفخر والإعجاب!

قبل خمس سنوات، وبعد أكثر من عقدٍ على انتهاء حرب البوسنة والهرسك، كشف البوسنيون أحد أسرار الحرب، ومن بينها دور الأنفاق في تعزيز صمودهم في أثناء حرب الإبادة الصربية ضدهم، حين كانت عاصمتهم سراييفو مطوّقة من مختلف الجهات. يومها كانت الأنفاق كالحبل السري الذي يمدّ البوسنيين بمقوّمات الحياة. واليوم غزّة مطوّقة كالأرملة عربيا وإسرائيليا، بحرا وبرا، وبدل أنْ يهبّ العرب لإنقاذها، وكسر الحصار الظالم عن أهلنا هناك، نراهم يتفاخرون بالالتزام الحرفي الأعمى؛ لتنفيذ القوانين الظالمة التي تصدر باسم المجتمع الدولي، فتكون لهم اليد الطولى في تدمير هذه الأنفاق وقطع الحبل السري الذي يبقي أهل غزّة على قيد الحياة.

عملية «التهريب» عبر الأنفاق وإنْ كانت مصدر ربح للمهرّبين، إلاّ أنّها ليست مفروشة بالورود، إذ ينتهي بعضها بكوارث بشرية، حين تنهار هذه الأنفاق على رؤوس مستخدميها، كما حدث مرارا في الأشهر الماضية. وأحيانا يموت بعضهم نتيجة استنشاقهم للغاز السام الذي تطلقه السلطات المصرية في النفق في حال اكتشافه!

المصادر الأمنية ذاتها كشفت التوزيع الجغرافي لهذه الأنفاق بالقول: إنّ معظم الأنفاق التي عُثر عليها كان في مناطق صلاح الدين، والقمبز، والبراهمة، والجندي المجهول، على خط الحدود مباشرة بين مصر وغزّة.

هذه الأنفاق ظلّت تمثّل لغزا عجز الإسرائيليون عن كشفه منذ مطلع الثمانينيات، حتى جاءت الجهود «العربية» المخلصة؛ لتضع نهاية لأحد عوامل ومقوّمات الصمود للشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة منذ ستين عاما.

عملية بناء النفق تستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر، ويُشارك فيها خمسة عشر عاملا من الكادحين، ومع ذلك فإنّ المصادر الأمنية المذكورة بشّرت جماهير الأمّة العربية بالقول: «لقد توصّلنا إلى معلومات جديدة عن خريطة الأنفاق في المنطقة من خلال المهرّبين الذين اعتقلوا داخل هذه الأنفاق والمتورّطين في عمليات التهريب». بارك الله فيكم، وأنجح مساعيكم الرامية؛ لتجفيف منابع الإرهاب الفلسطيني

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2187 - الأحد 31 أغسطس 2008م الموافق 28 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً