يُنظَر إلى أزمة الشرق الأوسط وتُفَسّر باختلاف الشخص الذي يُوَجَّه الكلام إليه.
على سبيل المثال، يتلون منظور «إسرائيل» لحماس وحزب الله وردة فعلها تجاههما بالصدمة التاريخية التي عانى منها الشعب اليهودي عبر القرون العديدة، فيتم اعتبار الأحداث التي تتبلور هناك كجزء من النضال ضد «الإسلامية»، والذي يستمر بتشكيل جزء لا يتجزأ من المنظور العالمي الإسرائيلي المعاصر.
ومن الأمثلة الأخرى على التفسيرات المتباينة، الميل الإسلامي لرؤية النزاعات من منظور عالمي ثنائي. ففي الدوائر الإسلامية ومنذ سبعينيات القرن الماضي، جرى أحيانا وصف التوترات في العالم كنزاعات بين «المتغطرسين» و «غير المحترمين». اعتُبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بالنسبة إلى الثوريين الإسلاميين في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته شياطين متعجرفة، بل وحتى «الشيطان الأعظم».
عندما تكون الطروحات التفسيرية بين أطراف متنازعة مختلفة إلى هذه الدرجة، تعاني نتيجة لذلك عملية التواصل، وكذلك في نهاية المطاف، عملية حل النزاع.
يتشكل جزء ضخم من عالم المرء الإدراكي من السرد اللفظي، أي القصص التي يجري سردها في أسرة الشخص أو بين أصدقائه أو في حصة التاريخ بالمدرسة. وتشكِّل هذه الطروحات «المنظومة التاريخية» للمجموعة أو الأمة أو المجتمع الديني أو الدوائر التي ينتمي إليها الفرد. والتاريخ دائما عبارة عن مجموعة مختارة لما يعتبر مهما، إضافة إلى ذلك فإن عددا قليلا جدا من الأحداث يجري الاحتفاظ بها ما لم تكن لها علاقة بهوية مجموعة ما. ويتعلق هذا الأمر بالانتماء والهوية و «نحن» و «هم».
السرد المتعلق بما حدث «لنا» في الماضي يؤثر على رؤيتنا للأحداث اليوم. هذه القصص بالنسبة لنا صحيحة من حيث إنها تتشكل نتيجة للحقائق التاريخية، ويُنظَر إليها على أنها مهمة بشكل خاص، لأنه يُنظر إليها على أنها حدثت «لنا» حتى لو لم نكن قد ولدنا عندما وقعت هذه الأحداث. «هم»، الناس في الماضي، أصبحوا «نحن» في ذلك الوقت. «في ذلك الوقت» أصبح «الآن». ظاهرة مصادرة تاريخ أجدادنا هذه واعتباره على أنه تاريخنا لها علاقة وثيقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
قرأت مؤخرا كتابا قصيرا عن التاريخ الفلسطيني كُتِبَ للشباب. ينقل الكتاب وقائع تاريخية، ولكن هدفه الرئيسي هو إيجاد شعور بالانتماء وفكرة أن «هذا هو تاريخنا». ويفتقد الكتاب إلى سرد عن «الآخر». كانت هناك حقائق تعتبر مهمة في التاريخ اليهودي مفقودة في الكتاب، كذلك يغيب السرد الفلسطيني عن «الآخر» في كتابات التاريخ الإسرائيلي.
ويزداد شعور «نحن» قوة في الأعمال التذكارية الشعائرية. يقوم الشباب اليهود، الذين ولدوا بعد عقود عديدة من الحرب العالمية الثانية بزيارة معسكرات الاعتقال، ويخوضون تجربة الانتماء ويشعرون بأن المحرقة حدثت «لنا».
وللنكبة في التاريخ الفلسطيني هدف مماثل: صدمة الذين طردوا من منازلهم ومعاناتهم هي صدمة لجميع الفلسطينيين. ونعرف جميعا الدور الهائل الذي تلعبه ذكرى مأساة كربلاء عند المسلمين الشيعة، قبل ثلاثة عشر قرنا من الزمان، حيث تشكّل قصة شهادة الحسين (ع)، حفيد النبي محمد (ص)، تفسيرا للمآسي التي تحصل في العراق اليوم.
ما الذي يمكن عمله إذا للتعامل مع وجهات النظر المتباينة للتاريخ؟
أولا، وحتى يتسنى تشجيع السلام والعلاقات الجيدة، من الضرورة بمكان أن نعي سرد الطرف «الآخر» وأن نهتم به. من الممارسات العقلانية الصحية في هذا المجال أن نحدد أنماط إدراك عقلنا، ومن ثم مراجعة ما إذا كان بالإمكان رؤية الأحداث من خلال أنماط تفسيرية أخرى.
نبحث بعد ذلك عن نواحٍ مشتركة في السرد الماضي ونسعى إلى استعادتها. نستطيع رؤية هذه الدينامية تعمل في عملية برشلونة، وهو مشروع تسوية بين 26 دولة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بإلهام من تاريخ الأندلس، حينما كان هناك تعايش سلمي بين المسلمين والمسيحيين.
وقد يكون الأهم من ذلك كله هو بذل جهد لرعاية طروحات جديدة من خلال محاولات مشتركة. ونستطيع رؤية ذلك في قصة صداقة قائد الأوركسترا دانيال بارنبويم مع إدوارد سعيد، وشراكتهما في إنشاء أوركسترا ديفان الغربية الشرقية، وهي أوركسترا سيمفونية مؤلفة من موسيقيين عرب وإسرائيليين.
يمكن لسماع قصص عما استطاعت أن تحققه مجموعات مختلفة معا أن يوجد أنماطا جديدة من الرؤية والتفسير. سرد متعاون كهذا يعتبر حيا وعاملا اليوم، ويبقى جزءا حيويا من صنع السلام.
* أستاذ فخري في الدراسات الإسلامية بجامعة لوند بالسويد، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2187 - الأحد 31 أغسطس 2008م الموافق 28 شعبان 1429هـ
