تكللت جهود القيادات التركمانية المقيمة في كل من تركيا وشمال العراق بانتزاع موافقة الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البارزاني على إقامة إدارة ذاتية لتركمان العراق مقرها مدينة كركوك الواقعة شمال العراق والتي تضم شريحة واسعة من المواطنين التركمان.
وذكرت مصادر عليمة أن هذه الموافقة جاءت بناء على إصرار تركيا أثناء مفاوضاتها السرية مع المسئولين الأميركان على حماية الأقلية التركمانية وتأمين مستقبلها في مرحلة ما بعد الحرب التي ربما تؤدي إلى قيام دولة كردية في شمال العراق قد تهدد أمن ووحدة الأراضي التركية، فضلا عن رغبة تركيا في ضمان تعويضات لخسائرها جراء هذه الحرب باقترابها من منابع النفط في مدينة كركوك الغنية بالنفط. وأضافت المصادر أن زعيم الجبهة التركمانية المقيم في تركيا صنعان آغا قدم مذكرة مؤلفة من 20 صفحة إلى الحكومة التركية، طالب فيها بعدم الموافقة على دخول الحرب إلى جانب القوات الأميركية المتأهبة لغزو العراق، ما لم توافق واشنطن والقادة الأكراد على شرط إقامة إدارة ذاتية لتركمان العراق يكون مقرها مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي تدعي القيادات التركمانية أن هذه المدينة تضم غالبية تركمانية قياسا بالأقليتين الكردية والعربية، في حين يدعي كل من الأكراد والعرب بأنهم هم الذين يشكلون هذه الغالبية، التي لم تؤكدها الأدلة الإحصائية لعدم إجراء التعداد السكاني العام منذ سنة 1957.
وأشارت المصادر إلى أن الزيارة التي قام بها كل من جلال الطالباني وأحمد الجلبي لتركيا الأسبوع الماضي، انصبت على إقناع الطرف التركي بعدم وجود أية نية لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق تعارضها أنقرة، غير أن الأتراك هددوا باجتياح شمال العراق والسيطرة عليه والقضاء على الحكم الكردي المحلي ما لم يوافق القادة الأكراد على دخول القوات التركية إلى أراضيهم من دون مشكلات، وإقامة إدارة ذاتية لتركمان العراق وبقاء القوات التركية في هذه المناطق لمدة خمس سنوات لحماية التركمان وضمان عدم قيام دولة كردية، وبعد انقضاء الفترة ينظر في أمور عودة هذه القطعات إلى مواقعها السابقة في الأراضي التركية.
وأكدت المصادر أن جلال الطالباني وافق على هذه الشروط أمام الضغط الأميركي المتزايد، واتصل بمسعود البارزاني الذي لم يغادر آنذاك لندن متوجها إلى ألمانيا، إذ مازال موجودا هناك، لإعلان موافقته على الشروط التركية قبل فوات الأوان، ولعدم وجود خيارات أخرى بديلة في مواجهة التطورات السريعة التي تنتظر الملف العراقي. وأشارت المصادر إلى أن مسعود البارزاني قد تمنع بعض الشيء، وطلب مناقشة هذا الأمر في جلسة عمل مع المسئولين الأميركان والأتراك في أنقرة، ولكن أنقرة أجابت بأن قدوم البارزاني إلى تركيا أمر غير مرحب به، وأنه سبق أن أعاد جواز سفره التركي الخاص إلى السلطات التركية محتجا على التدخلات التركية السابقة في الشئون العراقية ـ والكردية الداخلية تحديدا.
وحسما لهذا الوضع الحساس اتخذ جلال الطالباني قرارا بالموافقة من قبله ونيابة عن البارزاني، وبذلك أصبح بمستطاع القوات التركية أن تبدأ عمليات عسكرية داخل المناطق الكردية، لتوفير الغطاء وتمهيد الطريق أمام دخول القوات الأميركية التي ستلتحم بالقوات التركية في عموم المنطقة الشمالية من العراق
العدد 116 - الإثنين 30 ديسمبر 2002م الموافق 25 شوال 1423هـ