العدد 115 - الأحد 29 ديسمبر 2002م الموافق 24 شوال 1423هـ

تناقضات المجتمع تفتح دكاكين الفتنة!

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ما الفائدة من أن نكتب عن الطهارة ولساننا غارق في الوحل؟ ما الفائدة من أن نكتب عن الوطن والوطنية ونحن نطعنهما ونبني من خلال كلامنا المغلوط دكاكين للفتنة نملأها علبا محشوة بالنميمة واصطياد الأخطاء لا لنعالجها، ولكن لنصنع منها فخاخا مؤقتة وألغاما مبرمجة للانفجار ساعة اشتداد الأزمة بين السلطة والمجتمع الواحد؟ وهذه هي مشكلتنا في مجتمعنا البحريني، فإن البعض منا يتخذ من الكلمة والكتابة والعمود طريقا للإيقاع بين الناس والسلطة، ليس حبا في السلطة ولا حبّا في فئةٍ من المجتمع أبدا، فلو كان أمثال هؤلاء يحبون أو ينسبون إلى فئة ويخافون عليها لتكلموا عن أبنائنا في غوانتنامو وعن خطر التجنيس العشوائي الذي وصل إلى عظم هذه الفئة قبل غيرها، ولتكلموا عن فقرها وحزنها، وهم يرونها تشرب من الكأس المر ذاتها التي شربت منها الطوائف الأخرى، وهم يرونها أيضا في طريقها إلى التهميش كما همِّش الجزء الآخر من المجتمع، وفي مراكز ووحدات وقطاعات ووزارات مجدوها وما حسبوا عليها.

لقد أصبح المجتمع البحريني في طريقه إلى المربع الواحد من الهمِّ والحزن والتهميش وهو يرى المجنسين يلملمون جميع المواقع والمهن، وأخذوا ينافسون البحرينيين أو جزءا من البحرينيين - حتى أكون دقيقا - حتى في تلك المؤسسات والوزارات الحساسة.

فهنا نقول: لماذا لا نرى بكاء أو تباكيا على أقل التقادير على هذه (الفئة الصامتة) وهي الآن في طريقها إلى التهميش. فهل ذلك يرضي أي بحريني أصيل؟! طبعا لا، فنحن بحرينيون لا نقبل بتهميش لا فئة صامتة ولا ناطقة، وما هذه التقسيمات إلا أساليب يتخذها بعض الكتاب الأميين طريقا للعيش على تناقضاتها، فإن وراء مثل هذه الفتن وإيقاظها بناء عمارات وكسب لل وإمضاء مناقصات، فطالما رأينا أناسا بدأوا الحياة حفاة عراة ولكنهم تضخموا بعد ذلك كالقطط السمان، وان كان المحيا على هيئة حبة فاصولياء، تضخموا عندما داسوا بطون الناس، وراحوا يلعبون في حرب ثقافية مدجنة قذرة يتباكون على فئةٍ لا يعلمون فقراءها ولم يمدوا يد المساعدة إلى أي ملف وطني أو إنساني أو أخلاقي من ملفاتها ولكنهم يستخدمون هذه التقسيمات للاتساع وللثراء السريع والتضخم التجاري والشخصي بطريقة درامية ممسرحة ببكائيات تعزف ألحانا (صامتة) أصبحت لا تستهوي أحدا لأن الجميع من فئات (صامتة) و(متكلمة) على حد تقسيمات أحدهم فهمت اللعبة منذ أمدٍ ان الرابح في نهاية المطاف هو جنس خاص من الجنس الأبيض المفضل، فقد أصبح المتضررون والفقراء والمهمشون من كل الفئات، وراح النفعيون من الوجهاء ورجال الأعمال وبعض رجال الدين ومن كل الأطراف يقتسمون الجبنة ليقضموها هم وعوائلهم ومن لف لفهم مستغلين قربهم من السلطة من جهة وسذاجة الناس بما يدغدغ عواطفهم من جهةٍ أخرى.

إن هناك تقسيما يضحكني كثيرا عندما توزع المناصب وتوزع الكعكة بنظام الكوتة أن للشيعة 10 مناصب وللسنة 10 مناصب في العمل الفلاني أو المشروع العلاني. هذه توزيعات شكلية لم يأكل منها المجتمع البحريني الطيب والبسيط شيئا سوى الفقر؛ لأن السنة الفقراء لم يأكلوا من مناصب التوزيعة هذه إلا التقاء التسمية وكذلك هم الشيعة، والمستفيد في نهاية المطاف هو الفرد النفعي والعائلة الكريمة المنتفعة به، أما المجتمع فالفائدة الوحيدة التي يحصل عليها هو الشحن الطائفي الذي لم يأكل منه سوى الإحباط.

ولكن هل يفهم الناس ان صدقية الرجل في وطنيته وفي ترافعه عن المواطن البحريني بسنيه وشيعيه وان الوطنية تكون بسيادة القانون وان أي تقسيم طائفي لا ينتفع به إلا رموزه ورواده ونخبه، فطالما ضحك على الناس بهذه التقسيمات التي يروج ثقافتها بعض كتابنا الفاصولياء.

إن رهاننا على المجتمع الواعي الوطني الحاذق أن يعمل على ترسيخ معايير الكفاءة والوطنية للتفاعل، أما تلك التقسيمات والتفاعلات التي تخرج علينا كلما اشتدت حملة انتخابية أو توزيع لمناصب أو عقد تشكيلة حكومية فنذهب لنبحث عن (هذه أعطيت لشيعي وتلك لسني) فما هي إلا سذاجة وعدم وعي لما يجري على الأرض، فالقضية ليست قضية انتماء مذهبي، فطالما رأينا منتمين مذهبيا ومن أي طرف هم أشد على مريديهم من غيرهم لأنه استخدمهم جسرا لانتفاخه وانتفاخ عائلته. علينا ان نبحث عن ضمير الإنسان، عن دينه، عن وطنيته، عن تاريخه الإنساني والثقافي، لا عن سنيته وشيعيته حتى وان أدخل بعض رجال الدين - كما هو التاريخ - الله في ذلك وراحوا لعلةٍ يطيلون صلاتهم.

المجتمع البحريني بطوائفه راح ضحية استغلال تلك النغمات (الشيعية والسنية) والرابح في نهاية المطاف هم من تلاعبوا على هذا التناقض من كلا الطرفين. انظر إلى العوائل التي تظهر بهذه المساحات المذهبية، انها عوائل، ورجال، ومثقفون تضخموا على حساب المواطن الفقير لأنهم يدغدغون مشاعره بما يحتاج إليه من حنان خاص، وتحت الطلب وفي ظروف تاريخية مختلفة، فإنهم يفتحون له تلك الاسطوانة المشروخة، وذلك العزف المبتغى على طريقة (ما يطلبه المشاهدون والمستمعون) ومن جهة أخرى يقومون بقلب الاسطوانة إلى الجهة الأخرى وهكذا هم يقبضون من الجميع وفي كل الحالات وفي كل الأزمنة والضحية هم فقراء المجتمع. هذه الطبقة وهذه الفئة وهؤلاء الرجال من نساء وشعراء وكتاب ومثقفين ورؤساء وهيئات و... هم أساس معاناة المجتمع. ولهذا يجب ان نفهم الدرس، فالشريف من يفكر في الناس لا الذي يدعي حبه لفئة من دون فئة، مستغلا سذاجة المجتمع وإذكاء النزعات الطائفية. ولا أظن ان هناك شيئا أكبر وأخطر وأفظع من (التجنيس العشوائي)، فهو ملف كفيل باتحاد الجميع، فلو ان المجتمع البحريني ترك حساسياته وكل الانقسامات المسيسة والطائفية من (صامتة) و(ناطقة) واتحد على ضرورة حل هذا الملف لأصبح حالنا أفضل بكثير، ولاستطعنا أن نُحيي أمة وأبناءها ومستقبل أبنائها المهدد، وأقول المهدد، وهي كلمة قليلة لا تُعطي مستوى ذلك الخطر المرتقب على واقعنا من سياسة التجنيس العشوائي فإن مستقبلنا ومستقبل هويتنا في خطر كبير. ويجب ان يحمل هم هذا الملف الجميع لا أن يأتي الآخرون ممن يجيدون تلوّن الجلد والفتوى والموقف من دون ان يترافعوا عن ملف صغير من ملفات أمتهم، فلو قمنا بتفكيك الخطاب السائد الآن على أكثر منابرنا لوجدناه لا يفارق زوجاته وهي: (الصوم، صلة الرحم، استحباب السواك) يمر الزمان وتكون أكثر من أزمة وأزمة، والناس يلفهم ألف لغم ولغم والخطاب الإنشائي لم يتغير، اللهم إلا من رحم ربك وإذا شئت المزيد فانظر إلى الصحافة وهي تغطي الخطب، إذ أكثرها - ولا أقول كلها - لا يخرج عن هذه المحاور والزوجات الأربع لحاج متولي البحرين.

فالناس تترك أعمالها وأشغالها من أجل ان تتلمس بعض ما يمس جروحها في هذا اليوم (الجمعة)، فهي تبحث عن خطب علمية تحليلية ضاغطة متفاعلة مع مشكلاتها؛ لذلك ينبغي على المجتمع ان يضغط باتجاه تغيير مثل هذه الخطب، لتحل محلها الملفات العالقة التي تهم الشارع فإن الناس لا يمكن ان تعي خطبا وبطونها جائعة وهي تفكر في سكن وفي قرض هناك وفي وظيفة هنا، وقليلة تلك الخطب التي تمس هم الشارع وآلامه.

هذه هي هموم الشارع البحريني فإن أراد إنجاح قضاياه يجب ان يجعل من كل منابره منابر جادة لحلحلة مشكلاته ويستغل كل موسم ثقافي في ذلك. وها نحن على أبواب شهر محرم فيجب ان يدفع الناس الخطباء باتجاه معالجة القضايا الإنسانية والوطنية والمعيشية ولو برؤية إسلامية بدلا من ان يصبح هم الخطيب ان يدمع عيون الجالسين ولو بالصراخ أو جعل ثلثي الوقت في كيفية اصطياد الدمعة، فأين نحن من منبر الوائلي وغيره ممن نقلوا الوعي المجتمعي إلى حيث التحضر والثقافة والمعرفة؟!. هنا يكون المثقف وهنا يكون دوره سواء أكان كاتبا أم طبيبا أم داعية، لذلك أعود فأقول: حذار من المثقفين المدجنين، فهؤلاء هم أساس خراب الأنظمة العربية وهم سر بقاء تلك الوقيعة وأزمة الثقة، لأنهم بدلا من أن يعالجوا الخطأ - إذا ما وُجد - بطريقة موضوعية علمية متأنية، فإنهم يقومون بتضخيمها بأسلوب استفزازي مربك تحريضي عدائي مغموس في كثير من الأحيان في الكذب والتخرص. فهم يقولون أحيانا: اتصل بي قارئ والحقيقة ان لا أحد قام بالاتصال به سوى شيطان الفتنة المعشعش في الرأس، فهم على حد تعبير نزار قباني: فإن بعض هؤلاء الكتاب يطبق طريقة رجال المخابرات في تصفية المجتمع وكل من يحول دون وصولهم إلى نعمة اللعبة على تناقضات الأمن، فإنهم يعملون ذلك مع الناس وحتى مع زملائهم في الصحافة، حتى يظلوا قريبين من السلطة. إنهم يقدمون أنفسهم كما يقدم الرقيق الأبيض ذممهم، وترى مقالاتهم منتشرة كانتشار البغايا في الطرقات، وهنّ يستوقفن كل من مرّ منهن ليبغنه الجسد مقابل قليل من الدريهمات.

وهذه العملية عينها والسيناريو الثقافي ذاته الذي يعرض في عالمنا العربي وتحت مسميات وطنية وأحيانا باسم الدين أيضا عندما يلونون معطفه كلما تغير المناخ السياسي على طريقة بلعم بن باعورة حين اشترى بآيات الله ثمنا قليلا ويحركونها كلما تحركت حمّى الانتخابات الفئوية.

وهذا عين ما حدث في حرب الخليج الثانية عندما ذهب أحد علماء الدين وهو يبحث في متون الكتب عن واقعة تاريخية يتكئ عليها لتبرير وجود الجيش الأميركي في المنطقة فاستدل بجواز الاستقواء بالأجنبي الكافر لأن الرسول (ص) استعان بدرع يهودي في إحدى أزماته السياسية وهؤلاء هم من ورطوا 50,000 مسلم عربي في حرب أفغانستان ضد السوفيات وبسلاح أميركي وهذا التلون من الموقف هو عين من أعطى ذلك الغطاء الديني لرقص السادات عاريا في الكنيست الإسرائيلي، فقد قيل له إن حجه للكنيست في ذلك الوقت أفضل من ألف حجة للكعبة مادام ذلك في (مصلحة الإسلام).

مساكين هم الناس كيف يقادون كالقطيع إلى حيث أقصى الشمال وإلى حيث أقصى الجنوب، فلولا لطف الله لانتهى هذا الدين على أيدي هؤلاء المتلونين لولا أن للبيت ربا يحميه. أنا على يقين بأن فكرة التقسيم الطائفي من أمثال هؤلاء الكتاب الأميين لا يمكن ان تصل إلى دماغ الإنسان البحريني لأنه عرف حق

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 115 - الأحد 29 ديسمبر 2002م الموافق 24 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً