العدد 115 - الأحد 29 ديسمبر 2002م الموافق 24 شوال 1423هـ

الديمقراطية خير وسيلة للتنمية المستدامة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يتساءل البعض عن الحاجة إلى أفكار نبيلة تكلفنا الجهود الكثيرة، وهل نحن بحاجة إلى وجع الرأس الناتج عن صحافة حرة، عن انتخابات حرة، عن أنشطة أهلية غير خاضعة للجهاز المركزي؟

مثل هذا السؤال يتكرر عندما تزداد الأنشطة والإعلانات والاجتماعات والمناقشات والحوارات. وعلى مثل هذا السؤال حاول الاقتصادي الهندي أمارتياسن (حاصل على جائزة نوبل) الإجابة عبر قصة من أعماله التنموية...

يقول أمارتياسن: «في دولة عالم - ثالثية تحكم بوسائل دكتاتورية، عصف بها اعصار موسمي دمر محصولها الزراعي في منطقة ريفية نائية، ما أدى إلى انتشار المجاعة. ولأن الصحافة غير حرة فهي لم تستطع نشر أخبار الكارثة الطبيعية، ولذلك فإن الأهالي ورجال الأعمال لا يعلمون ماذا يجري. المنظمات الدولية علمت بالأمر فأرسلت مواد غذائية، ولكن المساعدة التهمت جزءا منها البيروقراطية الفاسدة، ثم تم ارسال ما تبقى إلى السوق. ومع انتشار المساعدات الغذائية وغيرها في السوق تضررت المنتجات المحلية، ما أدى إلى الاضرار بالمزارعين الذين لم يصبهم الاعصار، وهذا بدوره دفع بكل من يحصل على قوت يومه إلى الافلاس، وبالتالي ازداد عدد المتسولين. وفي العام التالي حدثت تغييرات وإصلاحات، وحصلت الصحافة على جزء من حرياتها في النشر والتعبير عن الرأي، وعندما حدث اعصار مماثل كانت الصحافة الحرة هي التي أنذرت الرأي العام المحلي والدولي بالكارثة القادمة، وهذا أدى بدوره إلى توجه تجار الأغذية إلى نقل الغذاء من المناطق الأخرى إلى المنطقة التي ستتضرر، ولذلك عندما حدث الإعصار لم تحدث مجاعة ولم تحدث الكوارث التي حدثت في الماضي تحت الحكم الدكتاتوري».

وعلى أساس هذا المثال الذي عايشه أحد الحاصلين على جائزة نوبل ربط بين حرية الصحافة وحماية البلاد من الكوارث وانتعاش السوق المحلية. وعلى هذا الأساس فإن الازعاجات المصاحبة للعملية الديمقراطية تخلِّف في المدى البعيد تنمية مستدامة وأمنا من الكوارث الطبيعية والاجتماعية. وعلى هذا الأساس فإن حديث الصحافة عن قضايا البلاد، الذي يبدو مزعجا لمن تعوّد على الطبيعة الصامتة التي لا تسمح بالحديث عما يدور في الشأن العام، هو المنقذ لنا من وقوع المشكلات أو من تراكمها ثم انفجارها لأنه لم يتم الالتفات إليها.

لقد تحدث البرنامج الحكومي عن أهداف عامة من دون الدخول في تفاصيل وآليات وضوابط ومؤشرات محددة تساعد المراقبين (سواء كانوا في البرلمان أو الصحافة أو منظمة التجارة الدولية أو المستثمر الأجنبي/ المحلي، إلخ) على متابعة البرنامج وطريقة تنفيذه وإنجازاته.

النمو الذي تحدث عنه البرنامج جميل جدا لو استطاعت الحكومة تحقيقه. ولكن هل تمت موازنة ذلك بالنمو السكاني. ونمو السكان سواء بسبب معدل الولادة أو بسبب التجنيس، له متطلباته الخدمية على مستوى الصحة والتعليم والإسكان، ناهيك عن متطلبات مستحقات التقاعد. وإذا علمنا ان أموال التقاعد من أهم ما يتوافر لأية دولة للاستثمار من جانب، ولدعم المواطنين بعد التقاعد فإن من أولويات الحكومة يجب ان تكون أموال التقاعد المستحصلة من موظفي الحكومة ومن موظفي القطاع الخاص. ثم ان الشفافية تتطلب نشر البيانات المالية لصندوقي التقاعد، لاسيما أموال التقاعد التابعة لعمال وموظفي القطاع الخاص. فالحديث عن غياب الشفافية تكرر كثيرا ولكن لحد الآن لم يستطع أحد الوصول إلى الأرقام والحسابات التي هي في الأساس حق عام وليس خاصا.

البطالة وارتباطها بسوق العمل المشوه هيكليا... فسوق العمل حاليا لا تسمح ببحرنة الوظائف، وسوق العمل الحالية تخدم فئة صغيرة تستحوذ على معظم ثروات البلاد بسبب عدم التوازن وعدم الشفافية. ولا يمكن القضاء على البطالة ما دامت العمالة الأجنبية هي التي توفر الربح لمن يسعى إلى زيادة الأرباح باستمرار من دون الاكتراث بالمسئولية الاجتماعية التي يلزم ان يشعر بها كل من يمارس نشاطا اقتصاديا.

ثم ان عددا لا بأس به من المسئولين تمكنوا من ترتيب الأوضاع بحيث يضمن عدم استطاعة أي اجراء الحد من ذلك التداخل بين المسئولية العامة والتجارة الخاصة. وعلى هذا الأساس فإن كثيرا من المسئولين من مختلف المستويات تراهم من كبار المنافسين للتجار في مجال هم يسيطرون عليه إداريا أو سياسيا.

ولذلك فإن المؤشرات التي يلزم تضمينها البرنامج الحكومي كان ينبغي ان تركز بالإضافة إلى الخطوط العامة النبيلة، على بعض الضوابط الأساسية التي تضبط عملية تنفيذ برامج التنمية وربط تلك الضوابط بالخطة العامة لتعليم وتدريب وتنمية قدرات المواطنين لكي يتحولوا من عبء على الاقتصاد إلى مشاركين في تنميته

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 115 - الأحد 29 ديسمبر 2002م الموافق 24 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً