كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مؤتمر «المعارضة العراقية» في لندن، وصدرت تحليلات، واستنتاجات متعددة ومتفاوتة من أطراف وشخصيات عربية وأجنبية، عن المؤتمر ونتائجه على العراق ومستقبله شعبا وكيانا.
وبغض النظر، عمّا أحاط المؤتمر من ظروف، وما تمخضت عنه اجتماعاته من نتائج، جعلت متابعي الموضوع العراقي، ينقسمون بشأن القضية العراقية ومستقبلها، فإن المؤتمر كان مؤتمر «بعض» المعارضة العراقية، وليس كلها، كما يوحي الاسم الذي أطلق عليه، وهي تسمية تتصل باعتبارات سياسية، وقف خلفها منظمو المؤتمر والمشاركون فيه، اضافة الى القوى التي تدعم المؤتمر، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.
واذا كان المشاركون في مؤتمر لندن بما يمثلونه من تنظيمات وشخصيات مستقلة، يشكلون كتلة من كتل المعارضة العراقية، فإن هناك كتلة ثانية في المعارضة، تشبه كتلة مؤتمر لندن في توزعها على الاتجاهات الفكرية والسياسية وتمثيلها الجماعات القومية، كما تشبهها في وجودها الرئيس في منطقة شمال العراق، وتشبهها في توزع كادراتها وقياداتها على بلدان الشتات، والتمييز الأساسي للمنضوين في الكتلة الثانية من أحزاب وشخصيات المعارضة العراقية، يتمثل في الموقف من التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية، اذ تعارض أو تعترض تنظيمات وشخصيات هذه الكتلة على التعاون مع واشنطن، بخلاف ما يتبناه المشاركون في مؤتمر لندن في التعاون مع واشنطن، لكن المشترك بين الكتلتين معارضتهما للنظام الحاكم في بغداد، وتبني شعار إسقاطه بوسائل مختلفة.
وبخلاف الكتلتين السابقتين، فإن كتلة ثالثة من المعارضة العراقية، اخذت تتبلور في الواقع العراقي، وهي كتلة، تعارض التدخلات الخارجية في القضية العراقية، كما تعارض حكومة بغداد، لكن من دون الذهاب الى حد الدعوة الى اسقاطها، وتنظيمات هذه الكتلة والشخصيات المنضوية في اطار التحالف الوطني العراقي، تعيش خارج العراق، فإن بعضها أخذ بالتوجه نحو الداخل العراقي بعد ان أخذ ضوءا أخضرا من السلطات العراقية بالسماح له بممارسة نشاطاته السياسية في العراق بصورة علنية ومشروعة، آخذا شكل معارضة شبه رسمية.
والحياة السياسية العراقية في ظروفها وتطوراتها خلال أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من الحكم الشمولي المتفرد لحزب البعث العراقي، جعلت النخبة، تنقسم انقسامات متعددة ومتنوعة، بعضها كان انقساما سياسيا على غرار ما كان عليه الأمر في انقسامات الأحزاب السياسية ومنها «حزب البعث»، وبعضها، كان تعبيرا عن الانقسامات «القومية» على غرار ما حدث في أحزاب وتنظيمات الحركات القومية، ومنها أحزاب وجماعات كردية وآشورية وتركمانية، كما ان بعض انقسامات النخبة العراقية، اتخذ طابعا طائفيا، ولدت في اطاره التنظيمات والجماعات الشيعية.
وبخلاف الأشكال السابقة من انقسامات النخبة العراقية في إطار الأحزاب والجماعات، فقد ظهرت في صفوف النخبة العراقية، انقسامات ذات طابع شخصي، تكرست في ظهور شخصيات معارضة، بعضها خرج من صفوف الجماعات السياسية القائمة بتلاوينها، وقسم آخر خرج من صفوف النظام وبين هؤلاء رموز من داخل الجيش والمؤسسة الامنية العراقية، وعدد من هؤلاء لعب أدوارا خطيرة ومهمة في تاريخ العراق والسلطة العراقية القائمة في بغداد.
واذا كان عدد جماعات المعارضة العراقية، قد تجاوز العشرات، فقد زاد عدد الشخصيات المعارضة من المستقلين عما تقدم بكثير، وفي كل الاحوال عملت جماعات المعارضة وكذلك الشخصيات «المستقلة» على اقامة روابط لها وعلاقات مع المحيط الاقليمي، وبعضها ذهب الى الأبعد في اقامة علاقات مع قوى ومنظمات دولية، خصوصا في ظل التطورين الأهم اللذين شهدهما العراق في العقدين الأخيرين، وهما الحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الثانية، التي أعقبت اجتياح القوات العراقية للكويت، واللذين أضعفا العراق، ووسعا اطار التدخل الخارجي في شئونه، وساهما في تصاعد الاهتمام الاقليمي والدولي من أجل رسم مستقبل العراق.
لقد ساهمت سياسات نظام بغداد في اضعاف العراق، وفي تدمير نخبته، وفي انقسام وتشظي تنظيماتها، وساهم طرد المعارضة الى الخارج في جعل الأخيرة رهينة التأثيرات الخارجية وبخاصة لجهة الاغراء والاكراه، الأمر الذي جعل من المعارضة العراقية مجموعة اوراق في لعبة رسم مستقبل العراق، والقليل القليل منها مازال له دور على صعيد العراق ورسم مستقبله بما يناسب مصالح الشعب والكيان العراقي بصورة منفصلة عن المصالح الاقليمية والدولية.
وواقع حال المعارضة العراقية في ضعف تأثيرها ودورها في رسم المستقبل، ليس افضل حالا مما هو عليه واقع النظام الحاكم في بغداد في المجال ذاته، ما يجعل مستقبل العراق خاضعا للتأثيرات الخارجية، ويفتح الباب امام ظهور قرضاي عراقي، يحكم تحت الحراب الاميركية
العدد 114 - السبت 28 ديسمبر 2002م الموافق 23 شوال 1423هـ