عجبا في هذا العصر الأميركي الأهوج... ففي كل يوم تطالعنا أميركا بشأن جديد! هل نصدق آذاننا أم نكذب أعيننا ليمر هذا الاقتراح الديمقراطي «المبهرج» لتسود الديمقراطية في ربوع الوطن العربي بعد أن أصبحت مطلبا أميركيا نابعا من القلب؟! أم هي نكتة في زمن ما عاد لنا مزاج أن نضحك أو نبتسم مع رؤية هذه الحشود التي تجثم على أراضينا وتهم بقتل شعب شقيق بعد أن أجهزت على شعب آخر؟ أم هي هدية يقدمها سانت كلوز الأميركي في أعياد الكريسماس؟ حلم أم حقيقة؟ ذاك هو السؤال - المهزلة!
هذا أثر فأسك !
في قصة رمزية من أدب الحيوانات تلقيناها ونحن مازلنا أطفالا على مقاعد الدراسة الابتدائية تقول ان أحدهم حاول أن يصطاد حية، فأخذها بالمكيدة والاحتيال، وذلك بالتقرب والتودد إليها حتى إذا اطمأنت إليه، فاجأها بضربة من فأسه أخطأتها، وحاول بعدها الإعتذار عن جريمته كي تعود المياه إلى مجاريها ثانية، تمهيدا طبعا لضربة أخرى أكثر إحكاما، فقالت الحية: «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك»؟
مشكلة الأميركان أنهم يستغفلون الشعوب، ظنا منهم أنهم أذكياء بما فيه الكفاية، وبقية شعوب الأرض من الحيوانات الغبية الزاحفة التي لا ترقى إلى مرتبة القرود!
أميركا «العظمى»... وريثة الاستعمارين العجوزين المتقاعدين الفرنسي والانجليزي لخمسين عاما، هل بلغت بها الوقاحة والصلافة مبلغ دعاة التبشير بالديمقراطية ورفع لواء حقوق الإنسان؟
هل نصدق ونحن نرى ما يفعله الاسرائيليون منذ خمسين عاما، وبدعم وتواطؤ أميركي مكشوف، من قتل وتشريد وهدم منازل واغتيالات يومية؟
هل نصدق الرغبة الأميركية في سيادة الديمقراطية بعد أن عشنا عقدا من الزمان والعراقيون تحت الحصار، الذي أودى بحياة آلاف الأطفال؟
أميركا التي قاتلت خمسين سنة ضد كل حركات التحرر الوطني في مشارق الأرض ومغاربها، من جنوب شرق آسيا إلى أدغال إفريقيا، حتى الشرق الأوسط صاحب نصيب الأسد من هذه السياسات الخرقاء... هل هي صحوة ضمير يمر بها المدعو «سام»؟
أم أسلحة الدمار الشامل؟
أميركا البلد الوحيد على وجه الأرض الذي استخدم القنبلة النووية مرتين، وفي فترة زمنية قصيرة، ضد بلد كان يفاوض حينها منذ شهور على التسليم وقبول شروط معاهدة الاستسلام، وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين الذين لم يحملوا سلاحا ولم يسقطوا طائرة، في هيروشيما ونجازاكي من دون أن يرف لها جفن أو تهتز لها شعرة... «أم أسلحة الدمار الشامل» تراها تدافع عن حقوق الإنسان وتمنع من استخدام أسلحة الدمار الشامل لأن قلبها الحنون يذوب رقة على شعوب الأرض والإنسانية جمعاء؟
أميركا التي استلمت الراية من الإستعمار الفرنسي المندحر من فيتنام لتواصل دوره الاستعماري عشرين عاما من الحرب القذرة، أدخلت فيها نصف مليون من جنودها ليحاربوا من أجل قضية باطلة، واهداف كاذبة لقنهم إياها ذلك الغول سيء الذكر «جونسون»، أزهقت فيها أرواح الملايين ودمرت بلدهم وأحرقت قراهم ومزارعهم، وألحقت بهم من العاهات النفسية والجسدية ما ظلوا يعانون منه حتى اليوم... الآن تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
رعاة «أكلة لحوم البشر»
أميركا التي ورثت دور ملاحقة حركات التحرر والانعتاق الوطني الافريقية من الأسر والعبودية والتبعية للاستعمار، بعد أن خضعت هذه القارة المنكوبة المنهوبة المحرومة لخمسة قرون من استغلال الغربيين «أصحاب الحضارة والثقافة والفنون الراقية»، القادمين من وراء المحيط. فقاتل جنودها في بلدان عدة، وتورطت مخابراتها في إسقاط بعض القادة الوطنيين، من أمثال باتريس لومومبا، وتنصيب المسوخ البشرية مثل سيسي سيكو، وغيره من الجبارين والطغاة.
أميركا التي جندت بعض الأنظمة «الصديقة» لها، بعضها يدفع المال، وبعضعا يتبرع بالجنود، وهي تشرف على عملية «سفاري» في السبعينات، التي تطرق إليها «محمد حسنين هيكل» في كتاباته، لملاحقة تلك الحركات الوطنية الافريقية وقمع تطلعات الشعوب الجائعة، التي كان عليها أن تصبر على أمثال سيسي سيكو وبوكاسا وأضرابهما من المجرمين وأكلة لحوم البشر،حتى ترضى عنهم أميركا، التي تتصور نفسها رب الأرباب في هذا الزمن الأغبر المنحوس.
أميركا التي حولت دول الجوار في أميركا اللاتينية إلى مزارع للموز والمواد الخام، وعاملتها كالخادم المستعبد في الفناء الخلفي، لا حق له ولا صوت ولا كرامة غير الاستجداء.
متى تحاكم «لاهاي» اليانكيين؟
أميركا التي ... لو جلسنا لنسرد جرائمها ضد شعوب الأرض وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها، لاحتجنا إلى دعوة محكمة «لاهاي» للإنعقاد الدائم لسماع آلاف، بل ملايين الدعاوى والشكاوى الموثقة بالآهات والعذابات والمهمورة بأنهار من الدم الأسود والأصفر والأسمر والحنطاوي والأزرق الفاتح أيضا.
يامستر باول: الشعوب العربية على رغم فقرها الشديد للديمقراطية، وتوقها الشديد للحرية، ومعاناتها من الظلم الإجتماعي الموروث من أيام الاستعمار، فإنها تقول لكم شكرا على ديمقراطيتكم العمياء، التي ترى الشعرة في عين الصينيين أو الإيرانيين أو الكوبيين أو الكوريين، وتعمى عن رؤية الخشبة في عينها أو عين أحبابها «الصهاينة»... ولذلك نقول لكم: إذهبوا وانزعوا الخشبة أولا من أعينكم، فإذا أبصرتم الطريق، تعالوا أيها اليانكيون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 114 - السبت 28 ديسمبر 2002م الموافق 23 شوال 1423هـ