العدد 114 - السبت 28 ديسمبر 2002م الموافق 23 شوال 1423هـ

أمن كوريا... والحاجة إلى الخوف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نفت كوريا الشمالية التهمة الأميركية، وردت عليها باتهام واشنطن بأنها وراء اعادة فتح الملف النووي واثارة زوبعة اعلامية بهدف تحميلها مسئولية «المشاغبة» على سلسلة التفاهمات الدولية والاتفاقات التي وقعتها مع ادارة البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون.

رد التهمة من قبل كوريا الشمالية يضع الأزمة في مكان مختلف وينقل الكرة من جانب إلى آخر. والسؤال: لماذا اختارت ادارة الرئيس جورج بوش هذا التوقيت لفتح ملف توصلت الادارة السابقة إلى احتواء عناصره وضبط احتمالات تفجره؟

هناك أكثر من سبب. إلا أن العوامل الأبرز يمكن تحديدها في سببين، الأول خارجي والثاني داخلي ومن دون اغفال صلتهما بالتحولات الاقليمية والدولية.

السبب الخارجي هو محاولة الربط بين البرنامج النووي العراقي وملف كوريا الشمالية من خلال كشف معلومات عن وجود تبادل تقنيات وخصوصا في حقل انتاج الصواريخ البعيدة المدى. فالعراق، كما هو معلوم، غير مسموح له بموجب القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن في العام 1991-1992 انتاج صواريخ يتجاوز مداها 150 كلم. وتحديد المسافة جاء بناء على ضغوط مارستها «إسرائيل» على المنظمة الدولية بذريعة أن بغداد اطلقت عليها مجموعة صواريخ أصابت بعض المدن والمستوطنات. وتحديد المدى له صلة بأمن «إسرائيل» وحرص الدول الكبرى على ضمان وجودها الاقليمي في اطار توازن القوى. لذلك نصت القرارات على منع تصنيع الصواريخ البعيدة المدى وسمحت بانتاج تلك القصيرة أو المتوسطة التي تطول دول الجوار الأخرى. القرارات نصت على منع العراق من انتاج تلك الصواريخ التي يمكن أن تصيب المجال الجغرافي لـ «إسرائيل» إلا أنها لم تنص على منع بغداد من استيراد هذا النوع الذي يتجاوز مداه المسافة المحددة. وكوريا الشمالية، كما هو معروف، من الدول المنتجة للصواريخ المتطورة والقادرة نسبيا على حمل رؤوس غير تقليدية إلى مناطق بعيدة تصل إلى مسافة تزيد على ألف كيلومتر. واشنطن، ربما أرادت من وراء فتح ملف كوريا الشمالية، التقاط معلومات لها صلة باستيراد صواريخ من نوع معين بعد أن فشلت فرق التفتيش حتى الآن في ضبط بغداد في مخالفة تعطي واشنطن ذريعة معقولة تبرز الحرب.

السبب الثاني، له صلة بالأوضاع الداخلية في كوريا الجنوبية وبروز تيار قوي يعارض الوجود العسكري الأميركي الذي طال واستمر منذ انتهاء الحرب الكورية في العام 1952. مضى نصف قرن على انتهاء الحرب ولاتزال الولايات المتحدة تختلق الاعذار لتبرير استمرار قواتها وقواعدها على طول الخط الحدودي الفاصل بين الكوريتين. ففي كل فترة تخترع واشنطن ذريعة أمنية أو سياسية لإعادة تجديد قواعدها بحجة الدفاع عن نظام حليف يتعرض لمخاطر من كوريا الشمالية المتحالفة مع الصين واحيانا مع الاتحاد السوفياتي السابق. وبعد اختفاء السوفيات من الخريطة السياسية وتحسن علاقات بكين مع واشنطن على مستويات مختلفة تقلصت الحاجة الكورية الجنوبية إلى الولايات المتحدة وتراجع الدور الأمني للقوات الأميركية في حماية المصالح المشركة من خطر ما يتهددها. الخطر الوحيد الذي استمرت الادارات الأميركية في استخدامه ورقة ابتزاز وتخويف كان نظام «كيم ايل سونغ» في الشمال وتهديده الدائم باجتياح الجنوب واعادة توحيد شبه الجزيرة كما حصل الأمر في فيتنام بين الشمالية والجنوبية. إلا أن الورقة الكورية الشمالية سقطت في عهد الرئيس كلينتون الذي نجح في ضبط طموحات وريث النظام وفرض رقابة دولية على مؤسساته العسكرية والنووية. ضبط كوريا الشمالية بالاتفاقات والتفاهمات خفف كثيرا من انشغال كوريا الجنوبية بالهموم الأمنية مفسحا المجال لظهور تيار سياسي يقاوم الوجود العسكري الأميركي وتدخل واشنطن في شئون البلاد الداخلية والسياسية. سابقا كان الكوريون يسكتون على تجاوزات الجنود بذريعة الحاجة الأمنية إلى الوجود الأميركي. الآن وبعد مرور أكثر من عقد على التحولات الدولية بدأ الكوريون يحتجون على التجاوزات والتداخلات كما حصل في الشهر الماضي حين قامت تظاهرات ضد القواعد العسكرية بسبب تكرار حوادث الاعتداء التي تحصل من قبل الجنود. وبسبب ضخامة الاحتجاجات اضطر الرئيس بوش إلى الاعتذار مرارا من دون جدوى، الأمر الذي اثر على الانتخابات الكورية وسقوط حليف أميركا وفوز مرشح وسط اليسار بالرئاسة.

إذا صح النفي الكوري الشمالي وثبتت مسئولية واشنطن بإعادة فتح الملف النووي واثارة زوبعة اعلامية ضد وريث نظام «كيم ايل سونغ» فمعنى ذلك أن التهمة لها صلة بتطور أوضاع كوريا الجنوبية إلى اتجاهات لا تصب في اطار المصالح الأميركية وتثير قلق واشنطن من احتمال نمو قوة معارضة تضغط على الرئيس الجديد بإلغاء المعاهدات الأمنية مع الولايات المتحدة وتفكيك قواعدها وطرد جنودها كما حصل سابقا في الفلبين.

ربما، وهذا هو المرجح، أن تكون أميركا وراء فتح ملف كوريا الشمالية لإثارة المخاوف الأمنية وتضخيمها في شارع كوريا الجنوبية. فالتخويف تحول إلى استراتيجية دولية تلجأ إليها واشنطن لا لتبرير الحاجة الأمنية إلى الحماية بل لإعطاء الذرائع للحروب الوقائية... كما هو حاصل الآن ضد العراق وربما غدا ضد كوريا الشمالية وإيران... و..

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 114 - السبت 28 ديسمبر 2002م الموافق 23 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً