لسنا أول بلد، ولا آخر بلد، يحاول الخروج من اثقال الماضي بخطى حثيثة احيانا ومتراجعة احيانا اخرى. ولذا فإننا مدعوون دائما إلى التزود من خبرات الآخرين في مختلف المجالات. ومن تلك المجالات التي نحتاج إلى إعادة النظر فيها هي رعاية واعادة تأهيل ضحايا التعذيب. فاجتماع الضحايا في لجنة وطنية امر حسن ولكن ما هو مطلوب هو تكاتف الجميع لحمل اعباء المسئولية.
على المستوى الدولي هناك مركز اعادة تأهيل ضحايا التعذيب ومقره الدنمارك، ويرتبط هذا المركز بشبكة من المراكز والمنظمات الاهلية في الدول الاوروبية الاخرى. ففي اليونان مثلا ترأس احدى الطبيبات (الدكتورة ماريا بنيو-كالي) شبكة من الاطباء الذين شرعوا في تأسيس عملهم بعد ازالة الحكم العسكري الدكتاتوري في اليونان في السبعينات، وكانت ماريا احدى الطالبات اللاتي اعتقلن في مطلع السبعينات وعذبن تعذيبا شديدا، وشاهدت بأم عينيها ما يحصل للمعتقلين السياسيين الآخرين. وعندما انتهى الحكم الدكتاتوري وخرجت مع السجناء السياسيين من المعتقل شرعت في انهاء دراستها الجامعية الطبية وباشرت في تأسيس شبكة من اطباء اليونان تعهدوا فيما بينهم بمعالجة اي شخص دخل السجن بصورة «مجانية». وعلى اثر ذلك فتحوا عياداتهم وغرف العمليات في جميع المستشفيات التي يعملون فيها لمعالجة الضحايا وتوفير الخدمات الطبية لإعادة تأهيلهم جسمانيا ونفسيا، كما وتحالفوا مع المنظمات الاهلية الاخرى لدعم الضحايا بكل ما يحتاجونه من خدمات يستطيع الآخرون في القطاع الاهلي توفيرها.
وبعد سنوات من عملهم، في التسعيات، انتهت الحاجة إلى وجودهم لأنه لم يعد هناك ضحايا يحتاجون إلى كل تلك الخدمات، ولذلك قرروا تآسيس «المركز الطبي لاعادة تأهيل ضحايا التعذيب» لخدمة الضحايا من الدول الاخرى، واستقبلوا منذ ذلك الحين ضحايا التعذيب من دول الشرق الاوسط وعالجوهم ووفروا لهم خدمات طبية بصورة مجانية.
عندما التقيتها قبل عدة اعوام سألتني فيما اذا كان اطباء البحرين يقومون بمثل هذا العمل. وكان حينها الوضع متأزما، فأخبرتها بأن المحامين يُدافعون بصورة مشرفة من دون ان يتقاضوا اجرا على ذلك. وبالفعل إن ما لدينا من قدرات اهلية بإمكانها عمل الكثير قبل ان نطلب من الجهات الرسمية شيئا. فبإمكان الاطباء وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الدين التعاون فيما بينهم لدعم ضحايا التعذيب والتأكد من اعادة تأهيلهم.
ان ما نحتاج اليه هو ان يشعر كل قطاع مهني بدوره الوطني، وكل قطاع يلزمه ان يتحرك من اجل حقوق الانسان ومن اجل البيئة ومن أجل القضايا الانسانية الكبرى، ففي كل الدول الاخرى فإن الذين يقومون بهذه الاعمال هم من الجهات غير الرسمية. ولذلك فإننا نسمع عن «أطباء بلا حدود» ونسمع عن الصحافيين المدافعين عن حقوق الانسان، ونسمع عن القساوسة في جنوب أميركا الذين يتضامنون مع شعبهم بصورة منظمة، ونسمع عن المحامين الذين يدافعون عن حقوق الانسان في اي بلد كان، ونسمع عن الجامعيين المدافعين عن الحقوق التعليمية، ونسمع عن جمعيات الدفاع عن البيئة بكل انواعها، الخ... ولكن مع الاسف، فإن اكثرية هذه الانشطة يقودها اناس من خارج بلداننا العربية والاسلامية، وكأنما تنقصنا مثل هذه المبادئ والامكانات.
هناك محاولة اسلامية في هذا المجال مثل منظمة «العدالة الماليزية» التي تتبنى قضايا عالمية ويدعمها اساتذة وسياسيون مستقلون على الساحة الماليزية، ولكن مازلنا في بلداننا نعتمد على المنظمات الدولية او نستجدي العطاءات الرسمية، ونغفل امكاناتنا وقدراتنا الاهلية.
لو توجهنا إلى معاضدة بعضنا بعضا فسنكون قد خطونا خطوات كبيرة لدعم حقوقنا قبل أن نطالب الآخرين بحفظها لنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 114 - السبت 28 ديسمبر 2002م الموافق 23 شوال 1423هـ