ما يجري في مملكتنا العزيزة أمور تفوق التصور فقد لبس الأمن لبس الفرو مقلوبا، وكذلك هي الحكايات والنقد وكل شيء. في الدول الاوروبية خطأ أمني واحد يكفي لاستقالة الوزير أو الزامه بذلك.
في دولتنا العزيزة تُسرق بيوت وفي وضح النهار ليس واحدا ولا اثنين ولا ثلاثة بل أكثر، ومناطق متعددة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال في بني جمرة، في البسيتين في سترة، ايد امتدت إلى اعراض وعبثت ببيوت مختلفة ولا يكتفي السارق بذلك بل يعاود الكرة للمنزل المسروق ليسرقه مرة ثانية وثالثة ورابعة.
مصارف سرقت ومتاجر الذهب والمجوهرات اقتُحمت، بل وفي مواسم تجارية دعائية وليت الأمر اقتصر على ذلك بل امتد ليشمل ارواحا فتلك الطفلة البريئة فاطمة خرجت ولم تعد ومازال أمننا الحبيب عصيا على النقد حتى من الصحافة ومازلنا نسأل أين هو الامن؟ وأين هي تلك المصاريف التي تدفع إلى رجال الأمن للمحافظة على امن المواطنين وبيوتهم فنحن لا نطالب إلا بحارس امن واحد لكل الف بيت لا لكل عشرة بيوت سكنية كما هو حاصل لأبناء العيون الزرق من الاجانب ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه. وفوق كل ذلك صرنا ونحن نرى بيوتنا تعرض في المزاد العلني من السراق فتستباح للمرة الالف بلا تعويض ولا قبض للصوص ولم تكن هي المشكلة الاولى بل المشكلة الاخرى كيف تُفهّم الشرطي أسماء الادوات المسروقة وانت تقول له سرق «الذهب» فيظنك تقول: «سرق وزهب» أي بمعنى ذهب وارتحل وهنا يضيع ذهبك هدرا عندما يستعصي عليه الفهم. وعلى رغم صبرنا ونحن نرى السرقة تمتد وتزحف باتجاه المدينة والكل يسأل ما الذي يجري فلعل الحراس في إجازة فلربما ذهبوا إلى اوطانهم الاصلية وهذا حق من حقوقهم علينا فهم يحرسوننا بارك الله فيهم وفي لغتهم المكسّرة.
بعضنا قال: «الظاهر الوزير في إجازة!!»
وآخرون قالوا: لا، الظاهر نقص في عدد قوات الامن لأن آخر احصائية تقول: ان عدد سكان البحرين ارتفع إلى مستوى يفوق عدد سكان الصين فيصعب السيطرة على الأمن!! خصوصا بعد انتشار وباء «التجنيس الكبير» و«حمى المنح القلاعية»!! وعلى رغم ذلك صبر الناس على أمل أن يثمن لهم عدم وصول تململهم إلى المسئولين، حفظا لماء الوجه ومن يحفظون الوطن خلف الثغور والحدود، ولكن المفارقة الكبرى عندما تُلبس في سياق الغمز واللمز - المعارضة في ذلك ايضا وهنا سقطت القشة التي قصمت ظهر البعير.
فما كان من المنتظر بعد كل هذا الصمت ان تُخلط الاوراق بهذه الطريقة الفجة والسمجة والتي تفتقد اللياقة واللباقة. فليس المواطن البحريني بهذا المستوى من البساطة والسذاجة تستخف عقليته في توريط المعارضة في قضايا الشغب الذي حدث في شارع الجنس الثالث (شارع المعارض) فما هذا النهم والشغف في اصطياد الحوادث وتلبيسها المعارضة؟ فما ان تقع «كحة» هنا أو «نهقة» هناك إلا وألبست بالحركة السياسية في البلاد. فليست المعارضة هي المسئولة عن صناعة هذا النوع من الشباب الانثوي. فلماذا تخلط الامور ويُعبث بالاوراق وكأن هناك أيادٍ يهمها اللعب بنار الفتنة والنفخ فيها وجر الواقع إلى ما لا تحمد عقباه، وخصوصا من عاشوا على الازمة السياسية التي مرت بها البلاد في فترة التسعينات ومن كانوا يرددون أن «الديمقراطية فتنة تخرب التنمية، وتذهب بهيبة الدولة» لكن انا على يقين: مهما كان حجم الملفات العالقة والاستفزازات التي تحدث في هذا الحراك السياسي فإن عقل الشارع ووعي الجماهير وحتى جزء كبير من السلطة لا يقبل بهذا التضليل، وخيار الحوار ونبذ اي عنف عملي هو خيار الجميع وفهم الجميع اذ لا عبقرية في الحكم بالسوط وصراخ الديكة وصراع الثيران بل إن القوة تكمن في ترسيخ الحوار السلمي ونهج الثقافة القائمة على حل الامور بالحوار حتى وان بدا خطأ هنا أو احباط هناك حاول استغلاله كاتب رخيص أو «حبة فاصوليا» هناك شكلا وقالبا ومضمونا وحتى تملصا.
ان مخافر الشرطة تعرف جيدا أسماء اولئك «المتأنسين» من الشباب المتكحلين الذين أثاروا شغبا وهم يقلدون الغرب في لباسه وحركاته ورقصه وحتى في هستيريته الفوضوية في التكسير في مثل هذه المناسبات. فلا داعي إلى كل هذا الضجيج المفتعل وهذه البكائيات على اعمدة الصحف. فما اقبح الدمعة عندما تتحول إلى فتنة يراد بها احراق البلاد انه «عري»لا يحتاج إلى ثمة سرحان فكر بل إلى ورقة توت علها تحجب النظر. ان مثل هذه الكتابات تسيئ إلى السلطة قبل الناس عندما تسمح بتجريح مجتمع بأكمله يحمل الكثير من افراده مناصب عالية في الدولة ذاتها، ولكني اعجب من اولئك الذين يرون كيف يسب ويجرح مجتمعهم بأكمله وبإطلاق علني من دون ادنى تمييز من دون ان يقولوا كلمة ولو خجولة من تجار ووزراء وعلماء وقضاة؟
فكأنهم قبلوا أن تهان امتهم بأكملها من دون حتى اعتراض خجول. وللأسف الشديد لقد تحولت الكتابة إلى رشوة علنية فهي على استعداد للتعري إلى ما يخدش الحياء خصوصا في دولنا العربية فإن الكتابة تجد نفسها عملة رابحة وهي ترى نفسها «تقلّد وتوّزر» في حين يموت المنبر الواعي والجاد مقتولا خلف الشمس او تحت اسر القوانين «الديمقراطية» التي لم تعرفها حتى دول اميركا اللاتينية، ولكن ماذا نعمل فالديمقراطية قناعة تامة اما اذا جاءت بنصف قناعة فربك وما يرحم.
يتعجب المرء كيف يتحول الصعلوك إلى كاتب وهو يمارس «النميمة السياسية» فكيف اذا كان صعلوكا احمق هنا تقع الكارثة الكبرى. فالخطورة تكمن ليس في عقله وانما فيما يكتب وخصوصا اذا حصل على الدفء والحنان من السلطة فيكون الاثنان متورطين في خلق اية فتنة فالكتابة اشبه بمعادلة كيماوية اية غلطة فيها ثمنها فادح. «وهذا عين ما حدث عندما اغمضت السلطة اعينها عمّن استفز الناس في مصر».
ففي مصر كادت رواية «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر أن تخلق فتنة كبرى. وما زالت ذاكرتنا تحتفظ بالحدث الطائفي البغيض عندما عمدت صحيفة مصرية إلى تجريح طائفة الاقباط عندما قامت بالاساءة إلى أحد القساوسة. فتورط السلطة يحدث حتى بسكوتها عن مثل هذه الكتابات الآثمة خصوصا وهي تلحظ عملية التعميم في لغة الكتابات التي تمس حتى أصدقاءها في الطائفة ذاتها. فإن مثل هذه الكتابات تعمل على احراج كل الاصوات العقلانية الداعية إلى الحوار والوسطية في التعاطي مع القضايا والهموم الوطنية وهي بذلك تفوّت تلك الفرص التاريخية الداعمة للوحدة الوطنية والداعية إلى ثقافة أخذ الحقوق بلغة حوارية وهي بذلك تخرس كل الالسن المعتدلة التي مازالت تراهن حتى على البصيص الصغير من ذلك النور في نفق ملفاتنا العالقة. ان الشذوذ الخلقي يجب ألا يتحول إلى شذوذ ثقافي فإن ذلك يعمل على«تعهّر المجتمع» ومراكز الثقافة وبالاخص الصحافة. فإذا كانت مثل هذه الكتابات محل قبول فإننا نستطيع ان نكتب في كل شيء فلا ينقصنا لا ثقافة ولا لسع بنان ولا سخرية حرف الكتابة كما يقول مصطفى امين: قادرة على تعرية المرء من لباسه فكيف لو كان من دون لباس؟!. فقد اثبت التاريخ ان سخرية الحرف قادرة على تعرية الثقافة المسطحة ومن يدعمها من المأجورين وهنا تكون الفضيحة للجميع.
ليست الشطارة ان يدوس الانسان المجتمع ولكن الشطارة ان ينتقد الانسان الخطأ اينما وقع، عند السلطة او المجتمع ما دام نقده يصب في صالح الجميع. فقد نسيت صحافتنا قانون اغتيال الصحافة وقانون عذاري في التجنيس العشوائي ونتمنى ألا تكون كل هذه الهجمة وكل هذا الفلتان الأمني مقدمة لإلغاء «قانون السلامة الوطنية» فقد تعودنا أن يكون قبل كل قانون مناخ يخلق وكل ذلك يضعف من صدقية الديمقراطية.
لا أعلم مدى صدقية ذلك الاستنساج الذي دائما ما يسوقه علماء النفس في كتبهم: إن انحراف الطفل في صغره له انعكاس على واقعه في كبره، ولهذا ننصح الآباء بحفظ أبنائهم ومراعاة منظومتنا القيمية وحفط حدود قيم أبنائنا من مسافات ومسافات فالشاعر يقول «(الدرس) في الصغر كالنقش في الحجر» والله الساتر على كل العباد.
ولقد سمعنا أن هناك نية الدفاع عند بعض كتابنا عن حزب إبليس وحزب الشيطان كما تم الدفاع عن حقوق المتضررين من قوانين السياحة في الفنادق، فلا غرابة في ذلك فالنفس وما هوت ولله في خلقه شئون لهذا نقول: أزمة التخريب يوم العيد الوطني المجيد أزمة شباب غربيين ربّاهم إعلام غربي وأزمة أمن اجتماعي نائم وأزمة وزارة نائمة وليست أزمة معارضة أو جمعيات
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 113 - الجمعة 27 ديسمبر 2002م الموافق 22 شوال 1423هـ