في حواره مع «الوسط» أشار السفير الاميركي رونالد نيومن إلى أن اي بلد بحاجة إلى «السياسة والاقتصاد والاستقرار» لكي ينهض. ومثل هذا الحديث صحيح من ناحية المبدأ ولكن المشكلة تكمن في توازن الأمور. فالسياسة الحسنة تتطلب الانفتاح والتعددية وضمان الحريات العامة، والاقتصاد يتطلب منع الاحتكار ومنع الممارسات الفاسدة وضمان الشفافية والمنافسة الشريفة، والاستقرار يتطلب احترام حكم القانون واحترام القائمين على حفظ الأمن وتنفيذ العدالة. فباسم حفـظ الأمن يمكن قمع الشعب وايذاء الناس واخماد الانفاس، إلا ان مثل هذا النمط يؤدي إلى القضاء على الحريات ويقضي على الحاجة إلى وجود رجال سياسة. ففي وجود القسوة والعنف لا حاجة إلى السياسيين اساسا ولا حاجة إلى الحوار ولا حاجة إلى التفاهم لأن الامور تخضع للاجراءات الامنية التي ترتب الامور بحسب ما يرتئيه المسئول.
كما انه في غياب الشفافية والمنافسة الشريفة في الجوانب الاقتصادية فإن الاوضاع لا تجذب الاستثمارات ولا تحرك السوق باتجاه صحيح، كما ان التركيز على الأمن يوجه الاقتصاد إلى الجوانب التي لا تنفع الحياة اليومية للناس. هذا الحديث ينطبق على البلد الواحد، على المنطقة وعلى العالم بأسره. فانعدام أمن المنطقة يقضي على خيراتها وثرواتها من خلال شراء الاسلحة والعتاد وفي تضخيم الجيوش ومصاريفها. وبلداننا تصرف قرابة ثلث موازناتها على الأمن والدفاع، بينما تصرف الدول المتقدمة (من ناحية النسبة المئوية) ربع او ثلث ما نصرفه. ومع ذلك فإن أمن تلك الدول افضل من أمن الدول التي لم تستطع الاعتماد على نفسها اقتصاديا او احترام شعبها سياسيا. وبما اننا نعيش في عالم اليوم الذي تسيطر على كثير من قدراته قوة عظمى واحدة، فإن الملاحظ هو ان هذه القوة (الولايات المتحدة الاميركية) يختل لديها الميزان دوليا. فمنظمة الامم المتحدة التي تبشر بالاعلان العالمي لحقوق الإنسان هي نفسها تخضع لإرادة «الفيتو» من خمس دول ولا تستطيع المنظمة الدولية عمل اي شيء اذا كان ذلك معارضا لإرادة الولايات المتحدة. ومفهوم الفيتو مخالف لمفاهيم الديمقراطية، كما ان مفهوم «الحفاظ على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الاميركية» يتعارض ومفهوم الشراكة مع الدول الاخرى للمحافظة على المصالح المشتركة.
البحرين تمر منذ فبراير/شباط 2001 بمرحلة جديدة من حياتها العامة، وهناك من يشد باتجاه مزيد من الحرية بينما يطالب آخرون بضرورة حفظ الأمن والاستقرار، والحل ليس في التخلي عن اي واحد منهما، وانما في ايجاد حال متوازنة، او السعي لإيجاد حال متوازنة، تسمح بحرية التعبير وتسمح بحرية التجمعات وتسمح بحرية التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولكن لا تفرط إلى الدرجة التي لا تستقيم الامور.
ولكي نستطيع ان نحتج على ما تقوم به الولايات المتحدة على المستوى العالمي او ما تقوم به «اسرائيل» في فلسطين ولبنان، فإنه يتوجب علينا ان نمتلك القوة على المستويات السياسية والاقتصادية والامنية، وكل ذلك بصورة متوازنة. «فإسرائيل» لا تصبح اضعف من دولنا العربية عندما تعطي شعبها الذي جمّعته من مختلف بقاع الأرض حريات مدنية وسياسية، وتوجد داخل فلسطين حركات يهودية تنتقد الحكومة الاسرائيلية بشدة ومع ذلك لا نسمع من حكومة العدو استهجانا بشعبها او قمعا له. وهذا ما يردده قادة العدو الاسرائيلي في المحافل الدولية عندما يتحدثون امام الآخرين بانهم «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط».
واذا نظرنا إلى دول شرق آسيا فسنجد ان الاقوى في تلك الدول من الناحية الاقتصادية هي الاقوى ايضا امنا وسياسة. فالمظاهرات في كوريا الجنوبية لم تدمر اقتصاد ذلك البلد الذي ينمو باستمرار وشعبه يكاد يصل حاليا إلى مستوى الشعوب الاوروبية، بينما كان هؤلاء الكوريون يأتون إلى دولنا في السبعينات بحثا عن العمل لأن مستوى بلادهم كان سيئا وشعبهم كان يرحل إلى أي مكان بحثا عن لقمة العيش.
يجب علينا ان نأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت، ويلزم ان ننظر إلى الصورة الأكبر وألا نسمح بجرجرة الاوضاع إلى ما كنا عليه سابقا من التعامل بقسوة وخنق الحريات
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 113 - الجمعة 27 ديسمبر 2002م الموافق 22 شوال 1423هـ