قولان تزامنا في ليلة الميلاد في منطقة «الشرق الاوسط» الاول خطاب الرئيس العراقي إلى المسيحيين في المناسبة وتأكيد عدم وجود تلك الاسلحة الفتاكة التي تبحث عنها الولايات المتحدة في العراق. والثاني كلام رئيس الوزراء الاسرائيلي عن معلومات غير مؤكدة حصلت عليها مخابراته تفيد عن احتمال تهريب او نقل تلك الاسلحة من العراق إلى سورية. الكلام الثاني جاء ردا على خطاب الاول. الاول حاول غلق باب البحث والثاني اضاف إلى فرق التفتيش مهمة ملتبسة تجدد الكثير من الاسئلة وتفتح بعض الانفاق المغلقة بهدف اخضاع المنطقة إلى المزيد من المراقبة الدولية.
كيف يمكن قراءة «كذبة» أرييل شارون وفي اي سياق نستطيع وضع كلامه التصعيدي والتحريضي ضد دولة عربية تحتل «اسرائيل» مساحات من اراضيها منذ العام 1967؟
كذبة شارون من اخطر الاكاذيب السياسية التي قيلت في نهاية سنة ميلادية شهدت فيها المنطقة الكثير من الضغوط النفسية افقدتها ما تبقى من توازن سياسي وعطلت بعض صيغ التضامن العربي والاحساس بوجود خطر مشترك يتهدد المصير الواحد للمنطقة.
شارون كذاب، وهذه تهمة عادية لجنرال ارتكب في حياته العسكرية عشرات المجازر ضد المدنيين في فلسطين وسيناء ولبنان. وشارون مجرم حرب، وهذه ليست تهمة لجنرال اسهم في حياته العسكرية في احتلال اراضي الفلسطينيين وسرقة مياه واراض من دول الجوار. والكارثة ليست هنا. فكل هذه الاوصاف (كذاب، وسارق، ومجرم حرب) شارون يتفاخر بها ويعتبرها نياشين بطولة وليست اتهامات او اساءات. الكارثة ان الرئيس الاميركي صديقه ويحترم سجله العسكري ويصدق كلامه ويراهن على دوره المميز في حرب يخطط لها ضد العراق... وعلى المنطقة.
اذا اعدنا قراءة «كذبة شارون» في سياق صلته الخاصة بالرئيس جورج بوش نكتشف فيها عناصر خطيرة تضيف إلى تلك الكذبة «جدّية» سياسية وتعطيها مواد تفجيرية ليست بسيطة.
ماذا يريد شارون من كذبته؟ الكذبة هي رد ملتبس على خطاب الرئيس العراقي. فهي لا تؤكد نظافة العراق من اسلحة الدمار الشامل ولا تؤكد انتقال الاسلحة إلى سورية. فهي من جهة تشير إلى سورية من دون ان تلغي التهمة الملصوقة بالعراق من جهة اخرى. الاثنان برأي شارون شريكان في قضية واحدة والبحث عن الاسلحة عند الاول لا يكتمل إلا بعد البحث عن الاسلحة نفسها عند الثاني. «كذبة شارون» لا تقول ان خطاب الرئيس العراقي عن خلو بلاده من تلك الاسلحة هو صحيح ولا تؤكد ان العراق هرّب او نقل تلك الاسلحة إلى سورية.
كذبته تضع المسألة بين احتمالين... وفي حال صدّقها صديقه بوش فمعنى ذلك انه يدعو الولايات المتحدة إلى الضغط على الامم المتحدة لتوسيع مهمة فريق التفتيش واضافة سورية إلى اللائحة من دون حذف اسم العراق من دائرة المفتشين الدوليين.
«كذبة شارون» شريرة. فهو يريد الشر للمنطقة بأسرها ابتداء بالعراق وسورية. وهو مستفيدا من الهياج الاميركي، يريد فتح الابواب المغلقة ما دامت قابلية الحرب مسيطرة على ادارة البيت الابيض. وهذه الفرصة تاريخية ولا تتكرر دائما وشارون يريد «استنساخ» عناصرها وحقن المنطقة بالتوتر والاضطراب من خلال الرهان على القوة الاميركية وتوريطها في سلسلة حروب تنتهي إلى كسر ارادة المنطقة لمصلحة المشروع الاسرائيلي. والمصيبة ان اصحاب القرار في واشنطن يعرفون سجل شارون ويعلمون كيف يفكر وماذا يريد وما هي طموحاته؟ والمصيبة الاكبر ان اصحاب القرار في ادارة البيت الأبيض يحتاجون إلى امثال شارون لتنفيذ خطط مجنونة قد تجر الويلات على المنطقة والمصالح الاميركية.
شارون قال في كلامه انه لا يملك معلومات دقيقة تؤكد كذبته... ولكنه قالها. وشارون وعد ان مخابراته تواصل البحث لتجميع المعلومات عن كذبته... ولكنه اضطر ان يطلقها تاركا المسألة ملتبسة وواضعا الكذبة على طاولة البحث او للتداول في الغرف السرية. ليس المهم ان يطلق مجرم حرب سلسلة اكاذيب لكن الاهم معرفةرأي صديقه بوش بهذا النوع من الاكاذيب الشريرة.
مراقبة ردود فعل واشنطن على الكذبة ضرورية. اذا نفت انتهى مفعول الكذبة، واذا رفضت التعليق تركت المسألة مفتوحة على احتمالات مجهولة... اما اذا وافقت عليها فهذه مسألة اخرى. واخطر ما فيها انها كذبة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 111 - الأربعاء 25 ديسمبر 2002م الموافق 20 شوال 1423هـ