العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ

ندوة «الحكم الصالح» تجيب عن أسئلة ندوة «المعوقات الاقتصادية»

أحمد عبدالرحمن الجودر comments [at] alwasatnews.com

اطلعت على تغطية «الوسط» لندوة «الحكم الصالح» التي نظمت في نادي العروبة ونشرت في «الوسط» في عددها 102 الصادر يوم الثلثاء الموافق 17 ديسمبر/ كانون الأول 2002، وشارك فيها حشد كبير من الشخصيات الوطنية ذات الكفاءات الفكرية المتميزة والخبرات العلمية المتنوعة. واذ اشيد بما طرح من افكار، اقدر ايضا العرض الطيب للصحافي حسين خلف للندوة، إذ جعلني اشعر وكأنني وسط المنتدين.

«الحكم الصالح» في ادبيات الامم المتحدة الانمائية يقصد به ادارة المحليات على مستوى القرى، النواحي والمدن والمحافظات أو الاقاليم ومدى المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات فيها وخلوها من الفساد المالي والاداري ومدى تعاون الحكومة المركزية مع هذه المؤسسات الاهلية والمحلية في تمكينها من القيام بدورها التنموي في محيطها. اعتقد ان هذا الجانب من الموضوع لم يلق حقه في مداخلات المتحاورين.

قام بعض الناشطين في الهند والفلبين على سبيل المثال بالدعوة بين مواطنيهم إلى اقامة مدن جديدة بمبادراتهم وتقوم على مبادئ «الحكم الصالح» كما تعرفها ادبيات الامم المتحدة في هذا الخصوص واثمرت جهودهم بعض النجاح في اقامة بعض المدن الرائدة التي تكون قراراتها في البيئة، العمل، الاسكان، المواصلات، ومستوى قرارات التعامل مع النفايات نابعة من رأي سكانها وبالتنسيق مع السلطات لتنفيذها. على رغم ان هذه المدن احيانا كانت ضمن اقاليم تعاني من الفساد بأشكاله المختلفة. هذه التجارب موثقة لدى الامم المتحدة ولدى امانة الوحدة الاوروبية إذ قدمت الدعم الفني والمالي إليها.

ويشار إلى انه على رأس الحركات الاهلية النشطة في كل من الهند والفلبين سيدة فاضلة لا تنتمي إلى اي حزب أو فئة انما الحلم ببناء «المدينة الفاضلة».

طرح مركز المستوطنات البشرية التابع للامم المتحدة هدف مشروع «الحكم الصالح» على جدول الاستراتيجية للالفية على الدول في التحضير لأجندة القرن. وعادة ما تكون الوزارات المعنية بالاسكان والتعمير والمخططات العمرانية المعنية بتبني مبادرات مركز الامم المتحدة للاستيطان، لكن وزارات الودل العربية هذه اجمالا تحفظت عليه ولم تره ضمن اختصاصاتها ولم تتفاعل مع توجيهاته. لكن يبقى تبني مملكة البحرين للمحافظات الادارية والمجالس البلدية المنتخبة متناسقا مع التوجهات العامة لبرنامج «الحكم الصالح». والعبرة في التطبيق. نحن نتطلع إلى نجاحها وتجدرها في مملكتنا وان تتجاوز بداياتها المبكرة ونرى انجازاتها شاخصة لتكون مثالا يحتذى به خليجيا وعربيا.

وجدت ندوة «الحكم الصالح» وما طرح فيها من افكار، قد وضعت اليد واجابت عن الأسئلة المهمة التي اثارتها الندوة الاقتصادية عن «معوفات التنمية وتفعيل مشاركة القطاع الخاص» التي تمت بمبادرة رائدة من ولي العهد الامين سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وبتنظيم من مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع مركز البحرين للدراسات والبحوث.

ومع التسليم بأهمية الشخصيات المشاركة في «ندوة المعوقات» وعمق خبراتها اذ ضمت نخبة من الوزراء واعضاء مجلس الشورى والنواب وفعاليات متخصصة على مستوى الادارة التنفيذية في الاقتصاد، التجارة، القانون، التربية، ورؤساء تحرير الصحف، تم فرزهم إلى مجموعات، تتكون المجموعة الواحدة من 6 إلى 7 شخصيات، اختصت كل مجموعة بمحور من محاور الندوة، التي توسمت تشخيص معوقات التنمية الاقتصادية وكيفية تفعيل دور القطاع الخاص في خدمة الاقتصاد الوطني.

عجبت ولا اخفي استغرابي من عدم تغطية الصحافة بالقراءة النقدية لما طرح من آراء لمعالجة موضوع مهم يمس حياتنا ويمس نوعية الحياة التي نعيشها وطموح القيادة السياسية ومنها التوصل إلى حلول كما عبر سمو ولي العهد الامين. صحيح ان الصحف المحلية اوردت على صفحاتها عرضا اعلاميا بارزا تصدر الصفحات الاولى وخصوصا ان الندوة تحت رعاية كريمة من سموه، حفظه الله، لكن اين الكتابة النقدية؟ أم أن الكتابة النقدية صار يرفضها قانون الصحافة الجديد سيئ الصيت؟ أو هو تقصير من كتّابنا؟ لست ادري.

نحن نعتب ونختلف مع منظمي «ندوة المعوقات». نعتب لأنهم لم يستفيدوا من الكفاءات العظيمة، والخبرات المتميزة في المجالات التي اتيحت لها. فلم اطلع - ربما لم تعرض الصحافة كل جوانب الندوة - فيما نشر، على غربلة أو تفكيك وتشريح حقيقي للمعوقات. كنت اتمنى، وهذا ما نختلف معهم فيه، لو كانت مساهمة المشاركين مبنية على اوراق مكتوبة، وليست دردشة عابرة. مع احترامي لكل الشخصيات الجليلة في تخصصاتها ومواقعها، لكن التوصيات التي نشرت في 13 ديسمبر 2002، لا تخرج عن اطار ما كان متداولا من شعارات خلال السنتين الماضيتين في الصحافة، وهي الشعارات نفسها التي تبناها ورددها مرشحونا الفاضلون لمجلس النواب في حملاتهم الانتخابية وبرامج اعمالهم. ولايزال الغموض يتلبس كيفية تحقيقها. نعتقد ان طموح القيادة السياسية في البلاد يتجاوز هذه الشعارات إلى آليات عملية واهداف واضحة التحديد، قبل ذلك التشخيص العلمي للمشكلات بدقة. وهذا يحتاج إلى بحوث وآراء مكتوبة. من هنا، نعتقد ان ادراك سمو ولي العهد بأن هذه الجلسة فاتحة لجلسات مستمرة ومتواصلة مع الاختصاصيين لبلوغ مثل هذه الغاية.

وجدت ان ندوة «الحكم الصالح» اشارت إلى اهم القضايا، التي غفلت عنها «ندوة المعوقات» وهي من صميم المعوقات للتنمية، ونذكر بها على امل ان توليها الندوات المستقبلية المرجوة في مبادرة سمو ولي العهد التحليل والمعالجات الملائمة لها:

اولا، تدني مشاركة المرأة في الحياة العامة، واختيار مشاركة امرأة واحدة في اعمال «ندوة المعوقات» نفسها، يكشف عن ظاهرة التهميش لدور المرأة وغياب حضورها بين هذا المستوى التنفيذي المتقدم، بينما في الديمقراطيات المتقدمة، كالسويد مثلا، فإن دساتيرها تنص على انتخاب 30 في المئة من برلماناتها من النساء. وفي محيطها الخليجي، تصدر عدد «الراية» القطرية يوم الخميس 12 ديسمبر 2002 «خطة وطنية لاعداد المرأة القطرية لتولي المناصب القيادية، تهتم بتذليل العقبات وانصافها تشريعيا واجتماعيا». مع تقديرنا للجهود التي تقوم بها سمو حرم صاحب العظمة في دعم وتحفيز مشاركة المرأة.

ثانيا: تفاقم مشكلة الفقر وطرق استئصاله. الفقر مشكلة مركبة تتقاطع بالعرض مع كل اهداف التنمية وتحد من فاعليتها.

ثالثا: هشاشة البنية التحتية لمؤسسات المجتمع المدني.

رابعا: ردم الفجوة بين القانون والواقع، وبين الواقع والتطلع أو الرسوم. هناك تشريعات واحكام كثيرة صدرت لكنها لا تطبق أو تفعل في الواقع وتظل مغيبة. هذا الانفصام بين الواقع والمرسوم صار يستشري ويتجاوز حدود التشريعات والقوانين إلى ابعاد اخرى انسانية وتخطيطية.

اورد مثالا طريفا من حياتنا العمرانية للتدليل على حال الانفصام التي نعيشها بين الواقع والمرسوم. دورات المياه العامة بالقرب من محطة النقل العام في مدينة المحرق. على المستوى المرسوم هناك دورة للنساء وأخرى للرجال بحسب ما تبينه اللافتة عليهما، لكن كيف استحالت في الواقع؟ اصبحت دورة الرجال قذرة متهالكة يستعملها العمال الوافدون، وصارت دورة مياه النساء نظيفة، يستعملها رجال البحرين.

المهم ان نتحرك بحماس وطني مستوعبين التحديات الاقتصادية والتنموية. علينا مسئولية تبني المشروع الوطني الذي يجعلنا في مصاف امارة دبي من حيث السرعة والفاعلية في اطلاق المشروعات وجذبها للمستثمرين. نحن لا ندعو إلى تقليد خطى دبي، بالتأكيد، فالكثير من توجهاتها لا نرضاها او لا تناسبنا. لكن قصدنا الاجراءات المرنة والتسهيلات والبنى التحتية للتطوير والاستثمار. وسمعت قصة عن مستثمر يوناني، أرجو ألا تكون حقيقية، على اية حال يقال انها حدثت قبل سنوات، لعلها تصور بشكل صارخ الهوة الكبيرة التي تفصلنا عن دبي والمطلوب ردمها. تقول القصة ان مستثمرا اجنبيا اختار البحرين ليبني عليها مصنعا لليخوت، لأن موقعها يتوسط الخليج. زار البحرين لعدة ايام والتقى فيها بعض الوزراء ولمس منهم ترحيبا جميلا بفكرة المشروع ووعدوا بتسهيل الإجراءات حتى يتمكن من البدء في تشييد مصنعه قريبا، لكن الاجراءات لم تنته على رغم مرور اشهر عليها. بعد ذلك زار امارة دبي وأنجز المعاملة في ثلاثة ايام، وعبر مكتب ادارة «هيئة جبل علي»، ومن خلال خدمة الكونتر والاستقبال فيها تمكن من استيفاء كل اجراءات تسلم الموقع، والتعاقد مع مقاول لبناء المصنع ايضا. هذه الفجوة وما شابهها قياسا، علينا ردمها حتى نستقطب المستثمرين ولا نخسرهم

العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً